كتب د. ميشال الشماعي في “نداء الوطن”:
لا يبدو أنّ مفاعيل مؤتمر الفاتيكان في الأوّل من تمّوز المنصرم سيطول انتظارها كما عوّل مَن هم في المحور الايراني- السوري الذين ينفّذون الأجندة العقائديّة الايرانيّة على حساب الكيانيّة اللبنانيّة، وذلك بهدف تغييرها وفقاً لمصالحهم الأيديولوجيّة، بطريقة تتماشى مع قناعاتهم المذهبيّة. وهذا بالطبع ما هو مرفوض من قبل معظم اللبنانيّين الذين أعلنوا ذلك في أكثر من مناسبة، لا سيّما في ثورة 14 آذار 2005 التي تمّ استكمالها في ثورة 17 تشرين 2019. فهل ستلقى رياح التغيير الآتية من الفاتيكان تجاوباً أمميّاً وإقليميّاً ولبنانيّاً؟
لقد نجح الفاتيكان بتسديد ضربة قاضية إلى المحور الايراني في لبنان، سرعان ما بانت مفاعيلها. ولقد أخطأ أولئك بتسخيف هذا المؤتمر، وعطفاً، تحرّك المجتمع الدّولي مدفوعاً من الفاتيكان. والاشارة الأولى كانت بتغريدة لوزير الخارجيّة الأميركي أنطوني بلينكن خصّ فيها القضيّة اللبنانيّة. لتتمّ متابعة هذا الدّعم بالتقاء سفيرتي الولايات المتحدة دوروثي شيا وفرنسا آن غريو في لبنان، حول القضيّة اللبنانيّة. وذلك في المملكة العربية السعوديّة حيث التقتا لعقد اجتماعات مع مسؤولين سعوديين بدأت في الثامن من شهر تموز الجاري. هذه الزيارة تأتي عقب الاجتماع الثلاثي بشأن لبنان لكل من وزير الخارجية الأميركي أنطوني بلينكن، ووزير الخارجية الفرنسي جان-إيف لودريان، ووزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان آل سعود الذي سبق وأن عُقِد في 29 حزيران الماضي، على هامش مؤتمر قمة مجموعة العشرين، في مدينة ماتيرا في إيطاليا.
وإن دلّت هذه اللقاءات على شيء فهي تشير إلى أنّ القضيّة اللبنانيّة عادت إلى سلّم الأولويّات الدّوليّة بعد الجهد الذي ضاعفته بكركي والبطريرك الراعي الذي أدّى إلى مؤتمر الفاتيكان؛ حيث تابعت بكركي مسيرة نهوض لبنان بمؤتمر لمناسبة مئويّة العلاقات مع المملكة العربيّة السعوديّة التي حضرت بقوّة من خلال سفيرها وليد البخاري، الذي أكّد من بكركي بأنّ “المملكة ترفض المساس بالهوية الوطنية اللبنانية ونسيج العروبة تحت أي ذريعة كانت”.
وهذه إشارة إقليميّة واضحة إلى البعد الاقليمي للكيان اللبناني؛ وقد أتت بعد الاشارة الدّوليّة في البعد الابراهيمي – الفاتيكاني – الأوروبي، حيث تمّت مواكبته بالبعد الأميركي أيضاً. وبذلك عاد لبنان بقوّة إلى هويّته الكيانيّة في بعديها:
– البعد العربي الاستراتيجي المنفتح على التعدّديّة اللبنانيّة بخصائصها كلّها.
– البعد الفاتيكاني- الأوروبي- الأميركي الليبرالي الأمين على لبنان الرسالة.
وأكّدت بكركي ذلك من خلال الثوابت الثلاث التي أطلقها غبطة البطريرك من حيث:
– المملكة ولبنان، حيث أثبتت العقود أن المملكة العربية السعودية فهمت معنى وجود لبنان وقيمته في قلب العالم العربي، ولم تسع يوماً إلى تحميله وزراً أو صراعاً أو نزاعاً، لا بل كانت تهب لتحييده وضمان سيادته واستقلاله.
– البطريركية والمملكة، علاقة البطريركية المارونية بالمملكة العربية السعودية تتخطى الاعتبارات التي تتحكم بعلاقة دولة بدولة.
– إن عرى الصداقة بين البطريركية المارونية والمملكة العربية السعودية متّنت أكثر فأكثر عرى الصداقة والتعاون بين المملكة ولبنان.
كما أكّد الملك سلمان للراعي بأنّ اللبنانيّين أهلنا ونعرف محبتهم للمملكة وشعبها. مع الاشارة إلى أنّ دوليّاً قد صدر عن لجنة الدفاع والقوات المسلّحة في البرلمان الفرنسي تقريرٌ يوصي، في البند رقم 6 منه، بإرسال قوات دولية الى لبنان بشكل طارئ تحت سلطة الأمم المتحدة والبنك الدولي في سبيل تعزيز الأعمال الإنسانية ومساعدة اللبنانيين، ودعم الجيش اللبناني والقوى الأمنية لحفظ الأمن والإستقرار.
هذا كلّه وما زال البعد المحلّي مغيّباً من قبل تحالف المنظومة الحاكمة بحلف السلاح غير الشرّعي والفساد المشرّع. وهذا ما سيدفع هذه المنظومة إلى المزيد من التعنّت عرقلة للحلول. ما يعني أنّ الحكومة المرجوّة من الجهات كلّها ما زالت بعيدة. وسيمارس “حزب الله” مدفوعاً من إيران، المزيد من الضغوط لإبقاء الوضعيّة اللبنانيّة بحالة ستاتيكو التعطيل، ليستعمل المفاوِض الايراني الملفّ اللبناني للضغط على المفاوِض الأميركي بهدف تحسين شروطه التفاوضيّة. فهل سيقدر لبنان أن يتجاوب مع الانتفاضة العالميّة ليستعيد هويّته الكيانيّة وسط حرب الهويّات هذه في وطن محايد وسيّد وحرّ ومستقلّ؟