Site icon IMLebanon

ذميون بمواجهة السلاح! (بقلم رولا حداد)

لن يتوقف المسار الانحداري للانهيار الكارثي في لبنان في ظل وجود سلاح “حزب الله”. لا يمكن البحث عن حلول مالية أو اقتصادية أو سياسية أو اجتماعية في ظل وجود السلاح. فشلت كل الرهانات والشعارات حول المساكنة الممكنة بين الاقتصاد والسلاح.

هذه الخلاصات يوثقها اليوم الدولار بسعر الـ20 الف ليرة والمستمر بالتحليق إلى ما شاء الله، كما توثقها وقائع التهريب اليوم عبر الحدود السائبة بالتكافل والتضامن بين السلاح والكارتيلات النفطية والدوائية وغيرها. وهذا الانهيار ممهور بعناصر مقاطعة لبنان من كل الدول الصديقة من الخليج العربي إلى الغرب، ما أدّى إلى عزلة خانقة للبنان وتوقف تدفق العملات الصعبة إلى شرايين الاقتصاد بفعل توقف السياحة والاستثمارات والمساعدات وبفعل القرار بوقف الصادرات اللبنانية، وكل ذلك بسبب هيمنة سلاح “حزب الله” على كل مفاصل الدولة ومؤسساتها وقرارها وسياساتها الخارجية وانغماس هذا السلاح في كل الحروب الإقليمية من سوريا مروراً بالعراق وصولاً إلى اليمن.

لم يكن سلاح “حزب الله” بهذه القوة في العام 2005، لا بل كان محاصراً بفعل “انتفاضة الاستقلال”، قبل أن يقدّم له “التيار الوطني الحر” أوكسيجين النجاة عبر تفاهم مار مخايل في شباط 2006.

ولم يكن ليتمكن “حزب الله” من فرض سطوة سلاحه لو لم يتفرّق قادة 14 آذار نتيجة الاختلاف حول مصالحهم الفئوية والحزبية الضيقة، فسيطر السلاح على قاعدة “فرّق تسُد” التي لطالما اتّبعها الاحتلال السوري.

ولعل السبب الأساس لهيمنة “حزب الله” يتمثل في امتناع خصومه المفترضين عن خوض المواجهة الشاملة المطلوبة معه، والتلهّي عوض ذلك بالمهاترات والخلافات الجانبية، فباتوا بأكثريتهم الساحقة ذميّين لدى هذا السلاح.

ثمة من يسعى إلى بعض المكاسب وإلى الحفاظ على بعض المكتسبات أو المواقع والألقاب من خلال نيل رضى الحزب، ويتفادى أي مواجهة معه. وثمة من يظن أن الانتخابات النيابية يمكن أن تغيّر المعادلات في حين أن الأكثرية المناهضة للحزب فشلت في أن تحكم وفي أن تواجه الحكم ما بين العامي 2005 و2018!

الغالبية العظمى من القوى السياسية باتت رهينة لدى “حزب الله” لأنها توقفت عن مواجهته وخضعت له، سواء نتيجة سلسلة الاغتيالات وسواء نتيجة محاولة تأمين بعض المصالح.

هزمهم “حزب الله” بالاغتيالات أولاً، وبالتهويل ثانياً، وبالنفس الطويل ثالثاً، وبالرهان على أنانياتهم وتشرذمهم رابعاً، فصاروا يتباكون كالنساء على حكم لم يحافظوا عليه بخوض المواجهة المطلوبة كالرجال وصفاً واحداً.

واليوم باتت الأكثرية الساحقة من القوى السياسية في لبنان تتحدث عن كل شيء إلا عن السبب الحقيقي لكل أزماتنا: السلاح!

هكذا هُزموا وخضعوا، ويرفضون اليوم أن يعترفوا. بات كل فريق سياسي يخوض معارك إلهاء جانبية سخيفة لأنه يتجنّب المواجهة الحقيقية مع السلاح. فمن يرفض أن تتشكل الحكومة هو “حزب الله” تأمينا للمصالح الإيرانية وليس أي طرف آخر، في حين يغرقون داخلياً في تبادل الاتهامات حول التعطيل والعرقلة في مكان آخر بالكامل!

هُزموا يوم ذهبوا إلى التحالف الرباعي، ويوم رفضوا أن يجتثّوا تمدد السلاح وحلفائه وأزلامه في الدولة والمؤسسات الأمنية والادارات يوم أصبحوا أكثرية بعد انتخابات الـ2005، وهُزموا في 7 أيار بسبب خنوعهم، ويوم رفعوا شعار “كلنا تحت سقف لبنان” بعد انتخابات الـ2009، ويوم تراجعوا أمام القمصان السود، وكل يوم حين كانوا يتحدثون عن “ربط نزاع” وسواها من تعابير “الذميّة السياسية”!

يتحدثون عن الإصلاحات وعن الإجراءات الواجب اتخاذها لوقف الانهيار، في حين أن وقف الانهيار مستحيل في ظل سلاح “حزب الله”.

ويظنون أن التغيير ممكن عبر الانتخابات في حين أن لا معنى لأي أكثرية أو أقلية ولأي نظام ديمقراطي في ظل هيمنة السلاح!

إنها الحقيقة المؤلمة كما هي، وثمة من لا يزال يريد في وطني أن يتجنّب تسمية الأمور بأسمائها، في حين أن كل ما وصلنا إليه هو نتيجة كل عمليات تدوير الزوايا والأوهام بـ”لبننة حزب الله”، أو الرهان على وضع سلاح الحزب جانباً ومحاولة معالجة الملفات الاقتصادية، وتأكد للجميع أن كل هذه المحاولات سقطت ووصلنا إلى الارتطام الكبير.

متى يعي جميع اللبنانيين أن الإنقاذ مستحيل في ظل السلاح؟ وأن استعادة الثقة تكون أولاً باستعادة السيادة والدولة والانتهاء من كل الميليشيات بدءًا بـ”حزب الله”، وعندها فقط يحصل لبنان على كل المساعدات المطلوبة لينهض الاقتصاد؟

يبقى الأساس بكسر حلقة الذمية في مواجهة السلاح… فهل من يجرؤ؟!