كتب وليد شقير في نداء الوطن:
الأسبوع الحاسم الآتي سيقرر اتجاه الأحداث وسط أعلى درجات التواصل بين العواصم الكبرى التي يؤرقها الارتطام الكبير المتوقع، الذي تنبئ تباشيره بخطورته، بدءاً من الارتفاع الجديد لسعر صرف الدولار وانعكاساته على تمويل خدمات حيوية، وصولاً إلى الفوضى الأمنية.
بات الصراع الدولي على من يدير البلد بعد اضمحلال مؤسساته، يعيد الاستقطاب الداخلي والخارجي إلى أعلى ذروة منذ انفجار الأزمة المالية الاقتصادية والسياسية بالفراغ الحكومي، الذي يمعن الفريق الرئاسي في تمديده بمزيد من الإنكار، والأوهام بقدرته على حكم البلد من دون انتظام المؤسسات الدستورية، بمجلس الدفاع الأعلى والقرارات غير القابلة للصرف كما أثبتت التجربة. ويمعن “حزب الله” بالاغتباط بإمساكه العصا من الوسط في صراع مفتعل من حليفه، مسيحي سني على السلطة، فيكبر وهمه بحاجة الفريقين إليه، ويعيش حالة الإنكار لفشل اقتراحاته لتفادي الارتطام الكبير.
أمام رجحان خيار الرئيس المكلف سعد الحريري الجدي بالاعتذار، تتجه العواصم الكبرى إلى استدراك احتمال سقوط البلد بالكامل في يد إيران، لأن التجارب الإقليمية أثبتت قدرتها على الاستثمار في الفوضى بقوة السلاح والنفوذ أكثر من غيرها. هذا في صلب دوافع التحرك الأميركي الفرنسي في اتجاه السعودية. نقطتان تشغلان المجتمع الدولي:
الأولى إذا اعتذر الحريري وتعذر البديل، واستمر الفراغ، لا بد من تطوير الإدارة الدولية لتقديم المساعدات للشعب اللبناني وتأمين الخدمات الرئيسة، وللجيش والقوى الأمنية كي تحافظ على حد أدنى من اللحمة. العواصم الغربية ستلجأ إلى الجيش وهيئات المجتمع المدني، بعيداً عن “حزب الله” ومواقع نفوذه، بما فيها الرئاسة. وبالموازاة تسعى لمرجعية دولية تشرف على إيصال وتوزيع المساعدات. إنه نوع من التدويل، لكنه ليس تكاملاً لافتقاده إلى غطاء إقليمي وعربي حتى الآن. لذلك وُصف بأنه “تدويل سلحفاتي”.
الثانية: مع رفض مرجعية رئاسة الجمهورية في ظل الفراغ، لا بد من مرجعيات سياسية بديلة. الملفت إعلان السفير السعودي في بيروت الوزير المفوض وليد بخاري أن “البطريركية المارونية ضمانة حقيقية للحفاظ على لبنان الرسالة، الحر والسيد المستقل”. كما أكد “مرجعية بكركي التاريخية وأهمية الدور الوطني والجامع للكاردينال الراعي للمحافظة على التنوع والعيش المشترك الذي أرسى أسسه إتفاق الطائف المؤتمن على الوحدة الوطنية والسلم الأهلي”. تؤشر الرياض إلى رافد آخر لهذه المرجعية عبر المؤتمر الصحافي المشترك مع رئيس “حزب القوات اللبنانية” سمير جعجع اليوم تحت عنوان “لبنان – السعوديّة إعادة تصدير الأمل”.
فيما بدا أن اعتذار الحريري مخرج له من المراوحة ومن تآكل زعامته، وللبلد لعل البديل يحصل على مقبولية من يرفضه، ولبعض العواصم ومنها باريس، تحولت خطوته المرتقبة إلى مأزق عند هذه العواصم: ما بعد الاعتذار أسوأ مما قبله. الحريري لن يسمي أحداً كي لا تتكرر تجربته ومصطفى أديب معه. ولا ضمانة لأي بديل، حتى لو كان الرئيس نجيب ميقاتي، بحصوله على ما رفضه الفريق الرئاسي للحريري. الرئيس نبيه بري لن يشترك بحكومة لون واحد، وكذلك قوى مسيحية أخرى، خلافاً لتهديد جبران باسيل بتكليف رئيس من دون رضى كتلة “المستقبل”. هكذا حكومة ستمعن في تعميق الحفرة ودفن الاحتياطي الإلزامي فيها وفق تقييم بعض العواصم.
اليوم وغداً تستكمل الهيئات القيادية في المستقبل دراسة الموقف. بانتظار اتضاح نتائج التحرك الأميركي الفرنسي مع الرياض، ينتظر أن توسع موسكو اتصالاتها في الساعات المقبلة مع ايران مجدداً، ثم مع القاهرة قبل زيارة الحريري إليها، لتدارك الاعتذار ومفاعيله لأن القيادة الروسية ترى أنه ليس سبب التعطيل حتى يعتذر.
هذه المرة التقاطع الروسي الغربي أكبر من السابق حيال لبنان. الأيام المعدودة المقبلة ستحمل الكثير وسط استهوال العواصم للمأساة اللبنانية.