Site icon IMLebanon

الأسئلة الصعبة المطروحة على “كلّن”

A Lebanese demonstrator waves the national flag during a demonstration outside the Electricite du Liban (Electricity Of Lebanon) national company headquarters in the Lebanese capital Beirut on January 11, 2020. - Hundreds protested across Lebanon to denounce a crippling economic crisis and the political deadlock that has left the country without a government for over two months. Chanting anti-government slogans in the capital Beirut, the northern city of Tripoli and the southern city of Nabatieh, they also denounced a class of political leaders they deem incompetent and corrupt. (Photo by ANWAR AMRO / AFP)

كتب د. فادي كرم في نداء الوطن:

مهما تُراهن كافة الأطراف السياسية المُتموضِعة، بصدقٍ أو بإنتهازية، تحت شعارات المعارضة، كما الشخصيات السياسية الطامحة للدخول الى المُعترك السياسي، على إظهار نفسِها بمظهر الآتي من الشعب والبعيد عن الطبقة السياسية المُدانة، تبقى الحقيقة أنّ معظم هذه الأطراف، أو أكثريّتها، خاضت العمل السياسي والمليشيوي، في بدايات الحرب الأهلية اللبنانية تحت راية الحركة الوطنية، التي تعارضت مع العمل الفلسطيني المُسلّح على الأراضي اللبنانية، وتعاملت وتآمرت مع العمل الأمني والعسكري السوري عند احتلاله للبنان، ومن المؤكّد أنّها عاجلاً أم آجلاً ستعود الى مشاريعها السياسية الأصلية حول مسألة الوجودية اللبنانية والهوية. فمحاولات اللّعب على المشاعر والمآسي، وإستغلال النقمة الشعبية القائمة والمُحقّة ضدّ السلطة الحاكمة، تنتهي فصولها فور استهلاكها للدعم الشعبي وحلولها في مواقع ومقاعد المسؤولية في الدولة للبدء بإستكمال أجندتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية المُعاكسة تماماً للفكر اللبناني الحرّ الحيادي والمُنتمي للعالم المُتمدّن، والتي أصابتها ثورة الارز إصابة بالغة.

إنّ الأسئلة الصعبة التي لا هروب من الإجابة عليها، تأخذ النقاش الوطني الى المكان الصحيح، أي الى لبّ معضلة هذا البلد، وتكشف بوضوح هوية كلّ فريق سياسي. فالعشوائية في الاتهامات والشمولية في تحميل المسؤوليات والاكتفاء بالصراخ لا يُحدّد المسار بعد جهنّم الحالية. لا شك بأنّ إلتقاء الداخل والخارج على تحميل مسؤوليات الانهيار على عاتق الفريق الأساسي الحاكم المُتمثّل بـ”حزب الله” وبـ”التيار الوطني الحرّ”، يفتح المجال لوضع الإصبع على الجرح، ولكن ذلك لا يشفي غليل أصحاب الحلول. فمُجرّد الاعتراض على الخطأ لا يُؤتي إنقاذاً، لأن طروحات بعض الافرقاء المنتفضين قد تكون تأكيداً لجهنّم الحالية ومرحلة متقدّمة منها، فليس بالضرورة ما يتبع جهنّم، الجنّة، فذلك رهن خيارات الناس وإدراكهم لحقيقة الطروحات والأفكار والمشاريع كافةً. فـ”كلّن” هنا مصيرية وجوهرية لأنّ جهنّم الحالية هي خيارات الشعب الخاطئة البارحة، الذي آمن بشخصيةٍ بارعة في التسويق، نجحت بمُكرِها بسحبه الى “تسونامي” مُخادع، واستطاعت بتسوياتها تأمين المكان الحاضن للكثير من مجموعات سلطة ما قبل ثورة الأرز، المُلتجئة الآن إلى الانتفاضة، غشّاً وزوراً، ولذلك على “كلّن” ان يُحسنوا الخيار اليوم كي لا نُعيد جهنّم غداً.

ومنعاً لتكرار الغشّ من قبل أفرقاء جدد طامحين وطامعين بإمتطاء صهوة حصان الانقاذ، من دون تمتّعهم بصفة الخيّال الحقيقي، فعلينا طرح السؤال الأصعب الذي يكشف كل المخفي وهو، أيّ لبنان نريد؟ أمّا الهروب المُتعمّد عن الاجابة على هذه المسألة المحورية فهي إدانة ذاتية تدلّ على محاولات التعمية عن حقيقة المشروع المطروح الذي قد يكون جهنّم لمستقبل البلد، فمشكلة الشعب ليست فقط مع فهم الخيارات، بل مع الخداع المُعتمد من اصحاب الطروحات، فالشعب بمعظمه يُحسن الخيار عند توضيح المشروع وكشف المستور، ولكنه يُخدَع ويُغدَر به عند ترك الطروحات مُبهمة ومُقنّعة.

هناك مشاريع عديدة مطروحة من قبل افرقاء الطبقة السياسية الحالية كما من قبل الافرقاء السياسيين القدامى المُتجدّدين، والجدد المتحرّرين منهم والمتشدّدين، وكل هذه المشاريع يجب ان تندرج تحت السؤال الاساسي، أي لبنان يريده هؤلاء الافرقاء؟ فهناك الطرح الاوضح، وهو التوجّه شرقاً، بالطبع ليس لتأمين الاحتياجات والسلع بل لتحقيق الانضمام العملي والرسمي للمِحور، فحلف الأقلّيات الموعود بحكْم الاكثريات، وصل الى مراحل متقدّمة بعدما اجتاز عشرات السنوات من العمل التراكمي الخبيث، ولكن نتائجه أتت كارثية ومؤلمة على شعوب المحور. فإكتمال الهلال الممتد من طهران وحتى شواطئ البحر المتوسط ضرب سيادات وقوميات ووطنيات وأحَلّ مكانها الفقر والتخلّف والوجع وإلامعان في القمع، وما استمرارية عملية التحوّل هذه إلا انهيار حتى الزوال.

وهناك الطرح الآخر المُتمثّل بالدعوة الى الدولة المدنية وإلغاء الطائفية والتسويق للتحرّر الاجتماعي، وهذا الطرح وإن أتى من مجموعات تسعى لدولة المواطنية الصحيحة والعدالة الانسانية، فكي لا تبقى في النوستالجيا خدمةً للمشروع الاول الذي سيستخدمها لتصفية معارضيه ثم سينهيها بسبل غير قانونية ولا انسانية، والمثال على ذلك ما حدث في إيران بالشيوعيين بعد انتصار ثورة الخميني الاسلامية، فعلى هذا المشروع الاجابة الجدّية حول المفاهيم السيادية وحول تحديد الامراض الحقيقية التي يعاني منها هذا البلد، والتي حدَّدها الطرح الثالث وهو لبنان الحرّ بمقوّماته وبالحفاظ على هويته الفكرية والاقتصادية ونظرته للمواطنية المُشاركة بالانتاج والمسؤولية، وليست المواطن الزبون والمُتّكل على الرعاية.

إنّ اخطر المشاريع ليست بما يُطرح علناً، بل بما تخبّئه الأجندات المخفية، ولذلك ولكي يستطيع الشعب الحكْم على المشاريع، فعليه ان يُدرك، لان ما لا يُدركه يُشكّل خطورةً عليه، وهذا الامر لا يتأمّن الا بالاجابة على الاسئلة المطروحة على “كلّن” التي تحمل في معانيها الحقيقة حول النظرة لمقوّمات وقوف الدولة، اي، الخلاف حول السيادة والسلاح، والتباين حول الرؤية الاقتصادية، من ريعية الى استثمارية، والنزاع حول تحديد دور لبنان، من ساحة للفكر والثقافة والسياحة والفنون والانفتاح والعلم، ام ساحة للحروب والبطولات الوهمية والشعارات الفارغة والرسائل المتبادلة وجوائز الترضية، وتعميم ثقافة المجتمع المدني الغني بالحزبية والتعدّدية والاعتراف بالآخر والابتعاد عن الشمولية.

المنطق السياسي يفرض نفسه على “كلّن” وعلى الجميع اختيار الخندق الذي ينتمي له فكرياً، وعندها سلوك المسار اليه، فأي خندق تختار مجموعات “كلّن”؟