كتبت كلير شكر في نداء الوطن:
يزداد الوضع تأزيماً وتعقيداً، وتزداد النقمة على الأحزاب. وفق أحد مراكز الاستطلاع، فإنّ الأحزاب جميعها تعاني من تراجع في شعبيتها. قاعدة تسري على الكلّ من دون استثناء. حالة اليأس والاحباط والتي تصيب اللبنانيين لا تُعفي أياً من الجالسين على كراسي السلطة، بفرعيها التنفيذي والتشريعي، من غضبهم ورفضهم للمنظومة الحاكمة حتى لو غسل بعض أعضائها أيديهم من دماء الانهيار الحاصل.
قد لا يكون هذا التراجع في مصلحة التنظيمات الجديدة التي تسعى لوراثة الأحزاب التقليدية نظراً للرفض الذي تلاقيه الأخيرة في الشارع، ذلك لأنّ الإحصاءات المسجّلة إلى الآن تدلّ على هذه النتيجة، وتشير إلى أنّ الرأي العام يميل إلى الانكفاء عما هو مطروح عليه ويفضّل مقاطعة الأحزاب والمجموعات الجديدة، إلا اذا تمكن بعض هذه الأطر من إعادة ترميم ثقته بالناس. ومع ذلك، سجّلت انتخابات نقابة المهندسين أول خسارة في ملعب الأحزاب لمصلحة مجموعات الحراك المدني و”انتفاضة 17 تشرين الأول”، بانتظار اختبار اختيار نقيب جديد لمهندسي بيروت الذي قد يكرّس هذا الانتصار أو ينسفه.
في الواقع، فقد تبيّن أنّ الخلاف لا يزال قائماً بين هذه المجموعات حيث اختارت مجموعة “النقابة تنتفض” المهندس عارف ياسين مرشحاً لمركز نقيب، فيما يبدو أنّ ثمة مجموعة أخرى وهي مجموعة “المهندس أولاً” تتجه إلى ترشيح سامر سليم للمنصب نفسه، وهو خلاف سبق له أو وقع خلال الاستحقاق الأول بسبب تحالف مجموعة “النقابة تنتفض” مع بعض الأحزاب، وتحديداً “الكتائب”، “الشيوعي” و”الكتلة الوطنية”.
المهم، هو أنّ النتيجة التي أفرزتها صناديق الاقتراع في استحقاق النقابة الماضي، كانت بمثابة جرس انذار بالنسبة لبعض القوى السياسية، التي قررت أن تستفيد من هذا الدرس لتعيد مراجعة سلوكها وأدائها، من باب النقابات واتحادات العمال وذلك عشية الاستحقاق النيابي الذي قد يكون هذه المرة مصيرياً. “الحزب الاشتراكي” نموذجاً.
إذ يتجه “الحزب التقدمي” إلى عدم المشاركة في استحقاق نقابة المهندسين كمقدمة للخروج من لعبة الانتخابات النقابية التي كانت تجرى ولسنوات، بالتكافل والتضامن مع أحزاب السلطة، ضمن إطار المحاصصة والتحالفات البعيدة كل البعد عن البرامج الهادفة التي تسعى إلى تطوير العمل النقابي.
الأكيد أنّ الانهيار الحاصل، وعلى كافة المستويات، يستدعي من كل الأحزاب أن تعيد النظر بأدائها وبمقارباتها الانتخابية والنقابية حيث نبض الطبقة المتوسطة ومرآة المزاج العام. وقد يكون “الحزب التقدمي” أكثر المسارعين إلى التعلّم من تجربة انتخابات نقابة المهندسين، حتى لو لم يتمّ تعميمها على الانتخابات النيابية العامة، لكن لنتائجها عِبراً لا يجوز القفز فوقها وكأنها لم تكن. أقله هكذا يتعاطى معها الاشتراكيون.
ولهذا يؤكدون أنّ قرارهم ليس انقلاباً على حلفائهم الذين سبق أن خاضوا معهم معارك نقابية أو سياسية، لا بل هو نتاج تشاور مسبق معهم، حيث أبلغ الاشتراكيون من راجعهم بأنّهم لن يكونوا ضمن تحالف لخوض معركة مرشح حزبي لأنّ ذلك مخالف لتوجهات الرأي العام إلّا أنّ “تيار المستقبل” لا يزال عند رأيه، ما حدا بـ”الاشتراكي” إلى الانكفاء نهائياً عن معركة 18 الجاري.
يشير الاشتراكيون إلى أنّ مهندسي الحزب سيعلنون خلال الأيام القليلة المقبلة عن برنامج نقابي لوضعه على طاولة النقيب ومجلس النقابة، أياً تكن نتيجة الاستحقاق، ومطالبته بتطبيق هذا البرنامج، وينفون أن يكونوا بصدد التفاوض مع مرشحي منصب نقيب حول البرنامج لتجيير أصوات مهندسي الحزب لمصلحة من يتفاهمون معه. وسيكتفي الحزب بالإعلان عن عدم مشاركته بالاستحقاق.
ويؤكدون أنّ هذه المراجعة ستكون نموذجاً في مقاربة الحزب للعمل النقابي ليتمّ تعميمها على بقية النقابات بغية اخراج الحزب من حسابات المقاعد الضيقة، لتكون الاستحقاقات النقابية فرصة لوضع برامج علمية يُحدد على أساسها من يلتقي معه ومن يختلف معه.
وضمن هذا التوجه، أبلغ “الحزب التقدمي” رئيس الاتحاد العمالي العام بشارة الأسمر عن اتجاه ممثل الحزب في المجلس التنفيذي، أكرم العربي وهو ممثل اتحاد موظفي المصارف، للاستقالة، تحت عنوان انّ الاتحاد “لا يمثّل نبض الناس ومعاناتها ولا يمكن تحمّل تبعات هذه المشاركة للمستقبل بعدما بلغ السيل الزبى، خصوصاً وأنّ تحرك الاتحاد ليس معزولاً عن القرار السياسي ما يفقده صدقيته”.