كتب طوني كرم في “نداء الوطن”:
بعد إمعان الطبقة السياسية الحاكمة في عزل لبنان سياسياً وإقتصادياً عن محيطه العربي والدولي، في محاولة واضحة لإلصاقه بمحور الممانعة والإرهاب، وتحويل موانئه البريّة والبحرية والجويّة منصات لتصدير المخدرات واستهداف الأمن المجتمعي للدول العربيّة، عمدت المملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي ومن باب مكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود إلى قطع طريق الصادرات المفخخة بأطنان من الحبوب المخدرة إلى السعودية ما شكّل ضربة قاضيّة إلى المزارعين والصناعيين اللبنانيين في ظل الإنهيار المتمادي للإقتصاد اللبناني، وتناحر الطغمة الحاكمة على تقاسم ما تبقى من مؤسسات الدولة على حساب المواطنين، ما دفع بـ “القوات اللبنانية” إلى حمل هموم القطاعات الإنتاجية التي تجهد الحكومة المستقيلة إلى القضاء على ما تبقى منهم، والبحث من خلال علاقاتها وصداقاتها المميزة مع السعودية في سُبل “إعادة تصدير الأمل”.
أيّام معدودة على احتفال المملكة العربية السعودية بمئوية علاقاتها المتميزة مع البطريركية المارونية في بكركي، لتطل من معراب في توقيت مفصلي تزامناً مع حراكٍ دبلوماسي هادف إلى إعادة الإهتمام السعودي بلبنان، والوقوف إلى جانب شعبه المتهالك جرّاء هيمنة قوى الأمر الواقع على مؤسساته، وترسم في مؤتمر صحافي مشترك بين السفير السعودي في لبنان وليد بن عبدالله بخاري ورئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع، في حضور شخصيات اقتصادية وزراعية رؤيتها المستقبلية لحماية اللبنانيين ومصالحهم بما لا يتعارض مع أمن البلدين.
معاناة غير مسبوقة
ومن معراب وبعد استعراض الصحافي موريس متى بالأرقام الصادرات إلى المملكة، اوضح الدكتور جعجع “اننا نتطلع إلى كل فرصة تعيد إلى لبنان والسعودية وإلى هذه المنطقة الآمال العريضة بغد أفضل، وترسخ خيار السلام وتعيد العلاقات بين بلداننا إلى سابق ازدهارها ومتانتها ومنعتها ومناعتها”، مشيراً إلى أنّ اللقاء اليوم، “ولبنان في حالة يعجز البيان أو يكاد عن توصيفها، حالة غير مسبوقة من المعاناة التي تشد الخناق على اللبنانيين بسبب رهانات من البعض، فيها الكثير من الافتعال لخدمة أهداف لا تمت إلى خير لبنان وأبنائه بصلة، وتسيء أيما إساءة إلى صورته وعلاقاته مع أشقائه وأصدقائه وفي مقدمهم المملكة العربية السعودية”.
ولفت إلى أنّ “اللقاء اليوم يحصل وسط جو قاتم، بعدما دأب البعض على مدى الأعوام المنصرمة على محاولة جر لبنان إلى خارج فلكه العربي ومحيطه الطبيعي”. وقال: “ان المملكة عادت خطوة الى الوراء وأخذت مسافة ملحوظة ولكن ليس لإدارة الظهر إلى اللبنانيين كما يعتقد البعض، وهي خير من يعرف الوقائع والحقائق، بل كي تفعّل الزخم وتوسع الرؤية وتستعد لمؤازرة لبنان مجدداً، كما درجت على ذلك مراراً آخذة في الاعتبار التطورات المتسارعة وأسبابها الموضوعية”.
وأشار إلى أنه “لا يخفى على القيادة السعودية أن لبنان ابتلي في السنوات الـ 15 الأخيرة بمجموعات من داخله تعمل وفق حسابات تناقض كلياً مصلحة لبنان ولا تقيم وزناً للمصلحة الوطنية وما تعنيه من حسن علاقات واحترام متبادل، ونحن مصممون أكثر من اي وقت مضى على النضال حتى الخروج من هذا النفق المظلم”.
وشدد جعجع على “التمسك حتى الموت باستقلالنا، وعدم الرضى بأي احتلال او وصاية او تبعية، معلنة كانت ام مضمرة”، وقال: “نتمسك بسيادة الدولة اللبنانية كاملة على اراضيها، ولن نرضى شريكاً لها في القرار الاستراتيجي”.
وأشار الى اننا “نتمسك بحق الشعب اللبناني بإعادة انتخاب ممثليه في أقرب وقت ممكن، بعد أن خذلته الأكثرية النيابية الحالية، بغية الوصول الى حكومة سيادية وإدارة نظيفة، مستقيمة، قادرة، كفوءة، تخلص اللبنانيين من الفساد الضارب في أعماق الدولة الحالية، الأكثرية الحالية تعتكف عن القيام بالإصلاحات المطلوبة، ليعود لبنان من جديد على طريق النمو الاقتصادي والتوازن المالي والسلامة المجتمعية والتطلع بأمل كبير نحو مستقبل زاهر”.
ولفت جعجع الى انه “لم تحصل يوماً أي أزمة أو مشكلة أو خلاف أو إشكال فعلي بين لبنان والمملكة السعودية”، كما قال البطريرك الماروني بشارة الراعي منذ بضعة ايام: “لم تعتدِ السعودية على سيادة لبنان ولم تنتهك استقلاله، لم تستبح حدوده ولم تورطه في حروب، لم تعطل ديموقراطيته ولم تتجاهل دولته، وإذا علا في الوقت الراهن صوت الفاجر على صوت المحب والصادق، وبدا منطق الباطل متقدماً على كلمة الحق، فهذه المعادلة لا تمثل أبداً حقيقة لبنان”.
جريمة عابرة للحدود
من جهته، أشار السفير بخاري الى اننا “نتقاسم مسؤولية مشتركة في مواجهة جريمة دولية عابرة للحدود، وهي منظمة ومخالفة لكل قواعد القانون الدولي، لذلك نأمل في هذا الطرح الجاد الذي طرحه جعجع لمناقشة تداعيات القرار المتعلق بتصدير المنتجات الزراعية إلى السعودية، أن نبحث بشكل جاد في إيجاد الحلول”.
ولفت إلى “أننا أمام ثلاثة محاور أساسية، تتمثل بتوفر الإجراءات الأمنية المناسبة، والإرادة السياسية الجادة لإيجاد الحل، والقضاء النزيه الذي يقوم على استكمال الاجراءات الأمنية”.
واعتبر أن “هذا اللقاء الجامع والمهم في مضمونه، يهدف الى مناقشة ما تحقق من إجراءات عملية في ما يتعلق بمنع تهريب المخدرات الى السعودية وضبط الجريمة المنظمة، وكذلك التداول باقتراحات عملية وصولاً الى وضع ورقة مشتركة في هذا الإطار”.
وأوضح أن “اجتماع اليوم يندرج في إطار المراجعة التي تقوم بها السفارة لما قام به لبنان من إجراءات لمنع التهريب، بعد ثلاثة أشهر على صدور قرار الحظر وما هو مطلوب في هذا الصدد”، مشيراً الى أن “الحل في ما خص العودة عن الحظر موجود في نص القرار الذي ربط العودة عن إجراءات الحظر، بقيام الجهات اللبنانية المختصة بإجراءات موثوقة لمنع تهريب المخدرات”.
الإقتراحات المقدّمة
وعقب اللقاء أشار جعجع إلى أنّ المملكة تشكو غياب دولة قائمة تتواصل معها من أجل ضبط الصادرات المفخخة إليها، ولفت إلى أنّ المسؤولين لم يقوموا بأي خطوة من أجل معالجة المشكلة الإقتصادية، لذلك تم العمل مع القطاع الخاص بشكل أساسي على سلسلة إقتراحات تم تسليمها إلى السفير بخاري، تتضمن حلّاً أولياً لأزمة التصدير إلى المملكة العربية السعودية، وهي:
أ- بغية التأكد من حسن سير الأمور وعدم ترك المجال في اي حال من الأحوال لأي امكانية تهريب من خلال الصادرات اللبنانية الى المملكة العربية السعودية، تعتمد في مرحلةٍ أولى خطوط النقل البري لنقل الصادرات اللبنانية الى المملكة العربية السعودية، على ان يقترن ذلك بالتدابير التالية:
1 – تعهّد بالمسؤولية لدى الكاتب العدل من كل الجهات المعنية بعملية التصدير، لا سيما:
– سائق الشاحنة. – مالك الشاحنة.
– مالك أي آلية للنقل. – مالك المشغل.
– المخلّص الجمركيّ.
-2 إقتراح “لائحة بالمصدرين الموثوقين في لبنان” من قبل نقابة مصدري الخضار والفاكهة وجمعية الصناعيين، ونقابتي اصحاب مالكي الشاحنات العاملة في الترانزيت للنقل الخارجي ونقابة اصحاب مالكي الشاحنات المبردة في لبنان، وفق قائمة مواصفات ومعايير متفق عليها من الجانبين.
3 – التشدد من قبل الوزارات المعنية والجهات الأمنية على شهادات المنشأ والمعاملات الجمركية، كما والتشدد من قبل اجهزة الرقابة كافة على عمليات التحقق.
4 – الاستحصال على شهادة حسن سلوك او ما يوازيها من نقابة أصحاب مالكي الشاحنات المبرّدة للسائقين تعتمد في السفارة، للاستحصال على سمة الدخول الى المملكة العربية السعودية.
5 – اعتماد شركات تدقيق ومراقبة عالمية عاملة في لبنان والسعودية والخليج تضع مخططاً للرقابة والتفتيش ومعالجة الثغرات والتحديات، التي قد تعيق تنفيذ عمليات التصدير الآمن.
6 – حصر التصدير بمالكي وسائقي الشاحنات اللبنانيين.
7 – إنشاء مرفأ ارضي للصناعيين والمزارعين يراقب من الأجهزة الأمنية المعنية على أن يجهز من قبل المصدرين وجمعية الصناعيين بعد الاتفاق مع الجمارك اللبنانية.
ب- التمني على القيادة السعودية أن تعطي الأوامر لتسهيل دخول البضائع اللبنانية المكدّسة في المرافئ السعودية في أقرب وقتٍ ممكن.