كتب معروف الداعوق في “اللواء”:
يعتبر سياسيون ان اعتذار الرئيس المكلف سعد الحريري عن تشكيل الحكومة، ان حصل الان أو في اي وقت كان، لن يؤدي إلى حل ازمة تشكيل الحكومة او متفرعاتها، كما يعتقد البعض، من دعاة هذا الخيار الحريصين على الحريري او من جوقة رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل ومن لف لفه وغيرهم، لان سبب المشكل الأساس، ليس محصورا بتكليف الحريري لتشكيل الحكومة خلافا لرغبة وتوجهات رئيس الجمهورية ميشال عون وفريقه السياسي النائب جبران باسيل، بل يتعداه الى ابعد من ذلك، كما اظهرت الوقائع والمواقف المحيطة بعملية التشكيل منذ بدايتها وحتى اليوم.
ويحدد هؤلاء السياسيون سببين رئيسيين، يتحكمان بعملية تشكيل الحكومة الجديدة، الاول استمرار ربط حزب الله، عملية التشكيل وولادة الحكومة العتيدة بالكامل، بالاوراق التي تمتلكها ايران في التفاوض على الملف النووي مع الولايات المتحدة الأميركية، برغم كل محاولات التهرب واخفاء هذه الخطوة، التي اصبحت معروفة، من المطلعين على خفايا موقف الحزب من مسار تشكيل الحكومة الجديدة، منذ انطلاقتها، ومرورا بكل عثراتها ومطباتها وحتى الساعة. ويستدل هؤلاء بجملة وقائع ملتبسة، تلف مواقف الحزب، غداة طرح المبادرة الفرنسية وبعد المباشرة العملية بتنفيذها وتكليف السفير مصطفى اديب بمحاولة تشكيل اول حكومة منبثقة عنها، وكيف ووجه يومها بجملة عقبات وعراقيل، من قبل الحزب، انتهت الى افشال متعمد لمهمته واعتذاره عن التشكيل، فيما كانت تسوّق، سرا وعلنا، بأن مصير تشكيل الحكومة العتيدة مؤجل ومرتبط في حسابات الحزب، بانتظار اجراء الانتخابات الرئاسية الاميركية، بعدما كان الرهان الايراني قويا على فشل الرئيس الاميركي السابق دونالد ترامب وفوز الرئيس جو بايدن، الذي كان يؤمل منه في وقتها ان يتعاطى مع ايران باسلوب مختلف عن ترامب، يؤدي إلى تكرار مرحلة ما بعد توقيع الاتفاق النووي الايراني في العام ٢٠١٦، بما يعطي ايران واذرعها بالمنطقة، التحرك بسهولة بغطاء أميركي، والتغاضي المتواصل عن ممارساتها وتصرفاتها المهيمنة والاستعدائية ضد العديد من الدول العربية بالمنطقة. وهكذا حصل بالتمام والكمال.
وبعد تكليف الحريري بتشكيل الحكومة الجديدة، وبداية مؤشرات العرقلة والتعطيل تحت ذريعة مطالب وشروط رئيس الجمهورية ووريثه السياسي المتسلسلة ظاهريا، في ظل صمت مطبق من الحزب، بدأ الحديث عن ترحيل التشكيل ريثما تنجز صفقة الملف النووي الايراني التي بدأت مفاوضاتها سريعا مع تسلم الرئيس الاميركي لمهماته. وهكذا كان، واصبح مصير تشكيل الحكومة، مرتبطا بالصفقة التي يشهد مسارها، تصعيدا، ينعكس تعقيدا بمشاورات التي لا يبدو بالافق انها منفصلة عن مسار الصفقه الايرانية ككل، برغم كل ما يحاول الحزب نفيه او تجاهله عن هذا الاتهام المثبت بالوقائع حتى الان.
اما السبب الثاني المهم، وهو الذي يطغى ظاهريا امام الرأي العام للتغطية على السبب الأول، وهو، محاولة الوريث السياسي لرئيس الجمهورية ميشال عون، الإمساك بمفاصل اي حكومة تتألف، تحت عناوين وذرائع كاذبة ومتعددة، لاعادة تعويم نفسه من العقوبات الخارجية المفروضة عليه واستنهاض وضعيته السياسية والشعبية التي تآكلت جراء ممارساته الفاشلة والفاسدة حتى العظم، بالكهرباء التي تلفح بظلامها الدامس، كل اللبنانيين، والسعي بكل اساليب التعطيل والابتزاز الملتوية لحجز موقع متقدم له بالمعادلة السياسية والاستحقاق الرئاسي المقبل، حتى لو تطلب الامر دفع الامور الى حالة الانهيار والفوضى والافلاس التي يعيشها لبنان حاليا.
ويعتبر هؤلاء السياسيون، ان أي شخصية، سياسية او غيرها، تكلف بتشكيل الحكومة الجديدة، مع استمرار هذين السببين، ستواجه بأساليب العرقلة والتعطيل الممنهج نفسها ولو بأشكال مختلفة، وبالتالي، لن تستطيع تأليف حكومة قادرة على الانفتاح بالداخل والخارج، للمباشرة بحل الازمة المالية والاقتصادية التي يواجهها لبنان. ولذلك سيكون متعذرا تأليفها تحت شروط موضوعة سلفا لابتزازها وعرقلتها، والا سيكون مصيرها الفشل المحتوم.
ازاء هذا الواقع، سيؤدي اقدام الرئيس المكلف على الاعتذار، الى استفحال المشكل نحو الأسوأ وتدهور الاوضاع بشكل غير مسبوق، ولن يستطيع البديل مواجهة الازمة المتفاقمة، ويبقى خيار استمرار الحريري بمهمته وتسريع خطى تشكيل الحكومة الجديدة، الخيار الامثل لحل الازمة القائمة.