كتب زاهي إبراهيم في “الاخبار”:
في خريف عام 2014 شهدت سوريا عودة انتشار شلل الأطفال، أحد أبرز الأمراض التي «انقرضت» بفضل حملات التطعيم الإلزامية التي نُظّمت على مدى عقود من الزمن. اختفى المرض نهائياً لـ 14عاماً قبل أن تعيد «خلقه» الأزمة السورية التي تسبّبت بوقف حملات التلقيح، إما لصعوبة إيصال اللقاحات إلى المحافظات أو لانقطاع التيار الكهربائي وعدم القدرة على المحافظة على اللقاحات ضمن معايير التبريد المطلوبة.
مع تسارع الأحداث وتفاقم الأزمة في لبنان، لا يبدو تكرار السيناريو في لبنان بعيداً من الواقع، خصوصاً مع تعاظم مُشكلة التقنين الكهربائي الذي لم يوفّر المستشفيات والصيدليات ومستودعات الأدوية واللقاحات.
من المعلوم أن أدوية كثيرة، منها الإنسولين وكافة اللقاحات، تحتاج إلى تبريد متواصل حفاظاً على جودتها وتجنباً لفساد المحتوى. وبما أنّ المستشفيات والصيدليات ومخازن الأدوية باتت ضمن دائرة التقنين الكهربائي الشديد، فإنّ مخاوف جدية تتعزز بشأن تلف كثير من الأدوية واللقاحات. وعليه تُطرح جملة تساؤلات: ما هو مصير مرضى السكري إن فسد الإنسولين بفعل فقدان التبريد اللازم؟ ما هو مصير لقاحات كورونا؟وما مصير حملات التلقيح الإلزامية للأطفال في لبنان؟
من هنا، الخوف كل الخوف من أن تكون الأزمة الحالية، وتقنين الكهرباء، سبباً أساسياً لتلف اللقاحات والدواء على حد سواء، وحائلاً دون استمرار حملات التلقيح في أنحاء البلاد.
والسيناريو الذي نتحدث عنه قد يصل إلى المغتربين في أفريقيا. إذ لطالما كان لبنان يؤمن حاجات المسافرين إلى أفريقيا من اللقاحات الضرورية المفروضة من منظمة الصحة العالمية، كالتهاب الكبد الوبائي والسحايا والحمى الصفراء والسالمونيلا. وقد يضطر المغتربون، بعد اليوم، إلى تأمين لقاحاتهم بأنفسهم من مصادر ودول أخرى. ولعلّ أول ملامح الأزمة هو ما نشهده حالياً من نقص كبير في لقاحات داء الكَلَب الضرورية جداً. إذ إن توقيت أخذ المضاد المناعي واللقاح بعد الإصابة بعضة كلب أو ثعلب مهم جداً لإنقاذ حياة المصاب، خصوصاً أن الكَلَب مرض معد، ومتى وصل الفيروس إلى الدماغ استحال علاجه وبات الموت محتماً.
كل ما ذكر مخاوف مشروعة، في زمن باتت أبوابنا فيه مشرعة أمام أسوأ الاحتمالات. فهل نعود لنشهد على عودة أمراض عايشها أجدادنا وأجداد أجدادنا؟