كتبت كلير شكر في “نداء الوطن”:
حسمها رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري. إتخذ قرار الإعتذار بمعزل عن الضغوط التي تمارس عليه “بالمونة” للعودة عن خطوته المرتقبة خلال الساعات المقبلة. اللقاء مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لن يغيّر في المشهد اللبناني خصوصاً وأنّ رئيس “تيار المستقبل” مقتنع أنّ ظروف التأليف غير ناضجة أبداً، وكل ما يحصل من محاولات في الداخل اللبناني، وبضغط خارجي، لتحريك مياه الحكومة الراكدة، هو من باب المزايدات وتقاذف الاتهامات لا أكثر.
اذاً، المشهد الداخلي إلى مزيد من التعقيد. يستعد الحريري لرمي ورقة التكليف بوجه كل من لم يرغب به رئيساً للحكومة. المقصود هنا بشكل أساسي، الفريق العوني الذي قام ما بوسعه من وضع عصي في الدواليب كي لا يعود رئيس “تيار المستقبل” إلى السراي الحكومي. تعدّدت حججه وعناوين معركته، بين أنّ الحريري ليس رجل المرحلة وأنّه لا يستطيع أن يقود حكومة انقاذية طالما هو متهم بأنّه أحد أركان المنظومة التي أوصلت البلاد إلى الانهيار، وبأنّه يقضم حقوق المسيحيين من خلال تعيينه وزيرين مسيحيين… لكن النتيجة واحدة: رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل يرفض رفضاً مطلقاً عودة الحريري إلى الرئاسة الثالثة.
فعلاً، لا أحد يملك اجابة حاسمة حول الأسباب الحقيقية التي دفعت بباسيل إلى اقفال كل الطرقات بوجه سعد الحريري: هل هي أسباب محض شخصية تتصل برغبته بتنقيح التسوية الرئاسية؟ أم هي مرتبطة بالتطورات الخارجية؟ أم هي خليط من الاثنين معاً؟
الأكيد أنّ الحريري مقتنع أنّ الانتظار بات سيفاً مصلتاً فوق رقبته، ولذا عليه أن يبادر ولو من خلال رفع بطاقة خروجه من الملعب، الحمراء، بقرار ذاتي منه بعدما بات متيقناً أنّ لا حلّ قريب ولا امكانية لقيام حكومة قادرة على وضع حدّ للتدهور الدراماتيكي الحاصل. وحتى لو فعلها الرجل، فلن تكون طريق حكومته معبّدة بالورود، طالما أنّ موقف المملكة السعودية سلبي من الحريري أولاً، ومن أي حكومة سيترأسها وسيكون “حزب الله” شريكاً فيها، ولو على نحو غير مباشر.
وعلى هذا الأساس، قرر الرجل تغيير قواعد اللعبة. يدرك أنّ الاعتذار قد تكون أثمانه كبيرة في لحظة المتغيّرات الاقليمية، لكنه ليس مخيّراً إلّا بين السيئ والأسوأ. بالنتيجة، سيقول ما لديه في اطلالته الاعلامية المقبلة. ويقفل الباب عائداً إلى نادي رؤساء الحكومات السابقين.
ولكن لماذا طلب الموعد من قصر بعبدا ثم عاد وغيّر رأيه؟
وفق المتابعين، كان يفترض أن يتوجه الحريري إلى بعبدا لإبلاغ رئيس الجمهورية رغبته بالاعتذار من دون أن يحمل أي تشكيلة بيديه لاقتناعه أنّ هذه الخطوة لن تقدّم أو تؤخّر، وإنّما هي مجرّد حلقة جديدة في مسلسل المناكفات وتقاذف المسؤوليات التي شهدتها العلاقة بين الرئاسة الأولى ورئيس الحكومة المكلف. لكنّ الضغوط التي مورست عليه من بعض الأصدقاء، عادت ودفعت به إلى تحضير تشكيلة جديدة لوضعها على طاولة رئيس الجمهورية كمحاولة أخيرة. ولهذا عاد وطلب تأجيل الموعد من دون أن يعني أنّه تراجع عن قراره وفق ما يقول المطلعون على موقفه.
ماذا بعد الاعتذار؟
حتى الآن، لا سيناريو واضح المعالم مع العلم أنّ رئيس الحكومة المكلف دأب منذ عدّة أسابيع على العمل على اعداد السيناريو المكمّل لاعتذاره من خلال طرح عدة أسماء على شركائه الحكوميين وتحديداً الثنائي الشيعي في مسعى للتفاهم على من سيخلفه علّه يؤلف حكومة انتخابات نيابية، ولكن من دون أن يلقى ردّاً أيجابياً. الأكيد أنّ الفريق العوني سيحتفل في سرّه بالانتصار على سعد الحريري وإخراجه من الحلبة. ولكنه بالنتيجة، لا يستطيع أن يتحكّم بمسار الأمور حيث سيكون للثنائي الشيعي كلمة فصل. ولذا، لن يتحدد موعد للاستشارات النيابية الملزمة قبل الاتفاق على خلف للحريري، وإلى اللحظة هذا الاتفاق غير متوفر. وفق مشاورات الأيام الأخيرة، تبيّن أنّ حظوظ رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي غير مساعدة نظراً للتحفظات التي يسجلها “حزب الله” على القطب الطرابلسي، فضلاً عن تلك التي يسجلها السعوديون. ما يعني أنّ احتمال تكليفه صعب جداً. وبالتالي، الوضع إلى مزيد من التعقيد والدوران في حلقة مقفلة ستفرغ البلد من كل شيء!