كتب مايز عبيد في “نداء الوطن”:
نعيش بين قنابل موقوتة لا نعلم متى تنفجر، إذ لم تعد مسألة فقدان المحروقات لا سيما البنزين والمازوت، تتعلق فقط بتأخّر مصرف لبنان بفتح الإعتمادات، أو بخفض الدولة لكمية الإستيراد من هذه المواد. فالقضية دخلت البازار التجاري اليومي على الطريقة اللبنانية، وأغلب ما يتمّ إدخاله من بنزين ومازوت إلى لبنان يذهب في اتجاهين اثنين: الأول هو التهريب إلى خارج الحدود باتجاه الداخل السوري، والثاني هو التخزين في مستودعات أو حتى في المنازل، وهذه الظاهرة تنتشر بشكل واسع لا سيما في مناطق الشمال، عكار وطرابلس وغيرها.
تخزين البنزين والمازوت
على أن تخزين البنزين والمازوت أصبح واقعاً وهو صار من صلب يوميات الكثيرين، بالأخص تجار الأزمة منهم، أي المهربين، ومنهم من وجد عملاً له عبر دخوله نادي بائعي البنزين بالغالونات إن صحّ التعبير. جميعهم وجدوا في غياب الدولة وأجهزتها الأمنية عاملاً مساعداً؛ فراحوا يسرحون ويمرحون، إما في تهريب المازوت والبنزين، أو بتخزين هذه المواد بغية تهريبها لاحقاً أو حتى بيعها في السوق السوداء بالغالونات، وما أدراك ما “الغالونات”!
وإذا كان خبراء الإقتصاد يرجّحون وجود ما يقارب 10 مليارات دولار مخبّأة في المنازل، فإنّ من الواجب على خبراء النفط والمحروقات أن يخمّنوا بدورهم للبنانيين كمّية ملايين ليترات البنزين والمازوت المخبّأة في المنازل والمستودعات. وفي هذا الصدد، لا بدّ من الإستفاضة في الشرح قليلاً..
أولًا: لا بدّ من التأكيد أنّ قرار وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال محمد فهمي القاضي بمنع عمليّات تخزين المحروقات داخل المباني السكنية والمحال التجارية والمستودعات، في محيط المباني السكنية ومصادرة المواد المخزنة، ما كان ليصدر لو لم تتفاقم هذه المشكلة بشكل كبير، وأمام الوزير عشرات التقارير التي تشير إلى خطورة الأمر.
ثانياً: إن التخزين لا تقوم به جهة واحدة فقط هي جهة المهرّبين. فبالإضافة إلى هؤلاء هناك من يخزّن المحروقات من بنزين ومازوت لأجل بيعها لاحقاً في السوق السوداء، عبر الغالونات بأسعار خيالية، حيث يباع الغالون الواحد سعة 8 ليترات بأكثر من 100 ألف ليرة، ما يعني أنّ هؤلاء الأشخاص قد رفعوا الدعم عن المحروقات بالكامل ومن تلقاء أنفسهم. ومِن الناس العاديين مَن يخزّن لأنهم بحاجة إلى المادة في منازلهم أو أعمالهم ولكنهم يخافون الإنقطاع، فيعمدون إلى هذا الأسلوب بالرغم من مخاطره الكبرى عليهم وعلى محيطهم.
على أنّ خطورة ما يجري هي لدى من يقومون بالتخزين في المنازل المأهولة وبين الأحياء أو حتى في غرف غير مؤهّلة لهذه العملية، إذ بات من المؤكد أن أكثرية من يقفون بالطوابير في مناطق طرابلس وعكار والمنية والضنية، لا يقفون لكل هذا الوقت فقط لأنهم مقطوعون من البنزين فقط. ثمة من “يبيّت” سيارته إلى اليوم التالي من أجل تعبئتها، وثمة من يعبّئ خزان سيارته بالوقود ثم يعود مرة ثانية ليقف بالطابور. هذا الشخص بلا شك سحب ما كان موجوداً في الخزان ووضعه في غالونات وعاد ليعبّئ الوقود مجدّداً، لأنه بكل بساطة سيبيعها لاحقاً في السوق السوداء على الطرقات.
يقول مواطن شمالي يعمل في دهان السيارات إنه “ومنذ بداية الأزمة يقوم مع اثنين من أصحابه بتعبئة البنزين من المحطات من عكار، وصولاً إلى البترون فجبيل بشكل يومي. ثم يعودون بعدها ليبيعوا كل 8 ليترات على الطريق بـ 120 ألف ليرة، أما إذا كان الغالون “توصيلة” إلى البيت فيصبح بـ 150 ألف ليرة وهم يخزّنون ما يملكون في أحد المحلات التي يملكونها ويقومون بتنفيس الغالونات بشكل دائم خوفاً من انفجارها”.. مع الإشارة إلى أنه يشتري الـ 20 ليتراً بـ 72 ألف ليرة، أي على السعر الرسمي، ما يعني أنه يحقّق أرباحاً خيالية هذه الأيام وأفضل من أي عمل آخر.
يحتاج حل أزمة المحروقات إلى ضبط كامل لمسألة التهريب وكذلك مسألة التخزين. قبل أيام اندلع حريق داخل أحد مخازن البنزين في عكار، ويوم أمس وبعد ورود معلومات عن قيام أحد المواطنين بتخزين مادة البنزين داخل منزله بمنطقة القبة طرابلس، دهمته دورية مشتركة من شرطة بلدية طرابلس وجهاز أمن الدولة مكتب طرابلس وتم ضبط كمية من البنزين واتخاذ الإجراءات القانونية بحقه. على أن أخطر ما في الأمر هو تخزين هذه المواد وبالأخص البنزين بين المنازل، سواء من المهربين أو حتى من تجار الأزمة المستجدّين، وفي مناطق مأهولة، وهي مواد قابلة للإشتعال وقنابل موقوتة في أي لحظة، لا سيما في هذا الطقس الحارّ.