عقدت منظمات وجمعيات وشخصيات لبنانية – أميركية مؤتمراً في فندق Grand Hyatt في واشنطن، بدعوة من منظمة “دروع لبنان الموحّد” Shields Of United Lebanon (SOUL) من 23 إلى 25 حزيران 2021، تباحثت خلاله في سبل الدعم الذي يمكن للانتشار، وبخاصة في الولايات المتحدة، أن يقدمه للبنان وللشعب اللبناني الذي يرزح تحت أقسى أزمة اقتصادية وسياسية ومالية وصحية واجتماعية وسياديّة في تاريخه، وذلك في ظل تقاعس المسؤولين عن القيام بأية تضحيات لوقف الانهيار وتجنيب المواطنين الذل الذي باتوا يعانون منه، حتى في تأمين رغيفهم اليومي وأبسط الخدمات الحياتيّة. فلا الحكومة شُكِّلَت ولا خطة إنقاذ وضعت، ولا بوادر حلّ في الأفق المنظور، والقضيّة اللُّبنانيّة أمْسَت على أعلى المستويات الدَّوليّة.
وكان الهدف الأول لهذا المؤتمر إيصال صوت الشعب اللبناني المنتفض على الطبقة السياسية الفاسدة وميليشياتها إلى آذان دوائر القرار في واشنطن والعالم الحر، وربط المقيمين بالمغتربين، خصوصاً في الولايات المتّحدة الأميركيّة.
كما أخذت تداعيات انفجار مرفأ بيروت في 4 آب الماضي ومسبباته حيزاً كبيراُ من النقاش في المؤتمر، في ظل فقدان الأمل بتحقيق العدالة. وفي الوقت نفسه يثمن المؤتمر الاستِدعاءَات الأخيرة للمحقق العدلي في هذه الجريمة، القاضي طارق بيطار، التي شملت موظفين كباراً في الدولة، ويرفع الصوت إلى جانب أهالي الضحايا وكل المتضررين – بل كل اللبنانيين – لدعمه في خطوته الجريئة وفي أي قرار يقدم عليه من أجل إحقاق الحق وإعادة الثقة بالقضاء اللبناني. ويرى المؤتمر أنَّ استقلاليّة القضاء وتحرّر القُضاة وفصل السلطات هي مدماك بناء الدولة ومحاربة الفساد.
واكب مؤتمرَ واشنطن مؤتمرٌ مواز عقد في فندق “بادوفا” في سن الفيل – لبنان في الأيام نفسها وبالتواصل المباشر مع المجتمعين في واشنطن. وشارك في المؤتمرين ما لا يقل عن مئة شخصية، إن كان عبر حضورهم الشخصي أو عبر تطبيق “زوم” يمثلون المؤسسات الاغترابية وجمعيات لبنانية محلية ومجموعات الثورة، إضافة إلى شخصيات تنتمي إلى أحزاب من الخط السيادي، كأحزاب “الوطنيّون الأحرار” و”القوات اللبنانية” و”الكتائب اللّبنانيّة” و”حركة الاستقلال”، إلى مشاركة وازنة من الائتلاف المدني اللّبناني.
أمّا المنظمات الأميركية المشاركة إلى جانب صاحب الدعوة “Shields Of United Lebanon (SOUL)” فكانت: In Defense of Christians ،Lebanese Information Center ،ِLIFE ، American Lebanese Coalition، Our New Lebanon ، Middle East Institute ، الجامعة اللبنانية الثقافية في العالم، لجنة الأسرى والمفقودين حول العالم، وLebanese American Renaissance Partnership. وقد شارك أيضاً في واشنطن ممثّل عن ملتقى التأثير المدني (CIH) آتيّاً خصّيصاً من لبنان.
وشارك أيضاً في اجتماعات مغلقة عقدت في واشنطن على مدى ثلاثة أيام أعضاء من “American Task Force for Lebanon” مع ممثّلين عن المنظّمات الأخرى المشاركة، في مسعى من “دروع لبنان” لخلق أرضيّة تعاون بين الجميع، وتوحيد الجهود إئتلافيّاً لتفعيل الضغط على الإدارة الأميركية في شأن دعم القضيَّة اللُّبنانيّة، وأهمها في ما يتعلق باستمرار دعم الجيش اللبناني، ودعم تطبيق القرارات الدولية الخاصة بلبنان، ومساندة الشعب اللّبناني في مخاض تحرُّره من الاحتلال والمأساة، وتأمين مقوِّمات صموده.
وقد أكّد المشاركات والمشاركون في المؤتمر على التوصيات التالية:
أ- الوقوف إلى جانب لبنان المقيم في ثورته على الفساد والتبعيّة، والدعم الكامل لمطالب الشعب اللبناني المنتفض منذ حوالي عامين ضد الطبقة السياسية الفاشلة التي تعيد إنتاج نفسها عند كل استحقاق انتخابي، مع التأكيد على ضرورة توحيد الصوت المعارض في لبنان وفي الاغتراب، وتضافر الجهود ضد منظومة المافيا والميليشيا، ورصّ الصفوف لإنقاذ لبنان من التدمير الكامل والشامل لكل مؤسساته، ومحاولات تغيير هويّته الحضاريّة.
ب- أهميَّة وحدة الاغتراب بهدف نقل الصورة الحقيقية لما يجري في لبنان إلى عواصم القرار. وكمواطنين ومنظمات لبنانية – أميركية، نعاهد القيام بكل ما نستطيعه من أجل مساعدة لبنان للخروج من أزمته، بالتزامن مع تقديم المساعدات الإنسانية وتشجيع أصحاب المؤسسات في الاغتراب لتوظيف لبنانيين لممارسة أي عمل عن بعد بقدر ما تتيحه التكنولوجيا الافتراضيّة.
ج- الإسراع بتشكيل حكومة إنقاذ مؤلفة من اختصاصيين مستقلّين لإدارة الأزمة، تضع وتنفذ خطة لإخراج الوطن من هذا النفق، وتعمل على التحضير لإجراء الانتخابات النيابية المقبلة وإعادة انعاش الوضع الاقتصادي وإعادة ترميم علاقة لبنان بمحيطه العربي ومجاله الحيويّ الدّولي. ويؤكد المشاركون في المؤتمر أن الأزمة المالية والاقتصادية لا حل لها إلا بتأليف حكومة تكنوقراط ذات صلاحيات واسعة تنال ثقة المجتمع الدولي وتكون مطعمة بشخصيات اغترابية تضع خبراتها بتصرف لبنان وتساهم في تنفيذ الإصلاحات الملحة على كافة الصعد. وإذ يرى المؤتمر أن المغتربين هم عصب الاقتصاد اللبناني ويجب أن يكون لهم الدور الفعال في القرار السياسي والاقتصادي في لبنان وأن نيل ثقتهم يقود إلى نيل ثقة المجتمع الدولي، يدعو إلى إنشاء مجلس اقتصادي وطني يديره مغتربون ومقيمون بهدف تشجيع الاستثمار في البنى التحتية وفي تفعيل الانتاج الزراعي والصناعات الخفيفة. كما يشدد على تطبيق القرارات الدولية بحذافيرها لضبط الحدود ولجم التهريب. فطالما التهريب قائم، سيبقى نزيف الاقتصاد اللبناني قائماً.
د- أجمع عدد من المشاركين على ضرورة إطلاق نداء للأمم المتحدة لإعلان لبنان دولة فاشلة ووضعه تحت البند السابع. وجرت مناقشة هذا الموضوع بجدية، علماً أن خطوة كهذه تتطلب إجماعاً من مجلس الأمن. وجرى التوافق على إبقاء النقاش مفتوحاً حول هذا الطرح باعتباره الحل المتبقي في حال تعذر تطبيق الحل الأسرع، القائم على اعتماد الحوار وتطبيق القرارات الدولية.
ه- يثمن المؤتمر تخصيص البابا فرنسيس يوم الأول من تموز للصلاة على نية لبنان في الفاتيكان وتثبيته أنّ لبنان رسالة سلام ودعوته إلى الحوار، وتنويهه بالدور الأهم للمرأة والمغتربين في إنقاذ الوطن. ويتبنّى مبادرة البطريرك مار بشاره بطرس الراعي المطالبة بالحياد وبمؤتمر دولي للبنان “بهدف تحرير الشرعية الدّستوريّة من هيمنة الميليشيا والمافيا” والتأكيد على لاءاته، خصوصاً في قوله “لا تسكتوا عن تعدد الولاءات، لا تسكتوا عن مصادرة القرار الوطني، لا تسكتوا عن السلاح غير الشرعي وغير اللبناني”.
و- ضرورة إجراء الانتخابات النيابية في موعدها ورفض إرجائها تحت أيّة ذريعة، مع التأكيد على حق المغتربين بالمشاركة في عمليات الاقتراع في بلدان إقامتهم. وضرورة الحوار بين مجموعات قوى 17 تشرين وكُلّ الجهات المعارضة لتشكيل لوائح موحدة تتمكن من تسجيل انتصارات، كما شهدنا مؤخراً في انتخابات نقابة المهندسين في بيروت.
ز- التّشديد على أن الواجب الوطني لإنقاذ لبنان من محنته، يستوجب العمل سريعاً من أجل استرجاعه من براثن القوى الخارجيّة التي تتحكّم بقراراته السياديّة، خصوصاً نظام الخامنئي الذي يتحكّم من خلال حزبه في لبنان “حزب الله” بمصير هذا الوطن. لذلك يطالب المؤتمر الأمم المتّحدة والجامعة العربيّة، اللتين شارك لبنان بإنشائهما عام 1945، بالقيام بدورهما وتنفيذ كافّة القرارات الصادرة عنهما والمتعلقة بلبنان، بدءًا من “إتفاقية الهدنة” لعام 1949. وإنّ العودة لهذه الإتفاقيّة من شأنها إزالة كل مخلفات إتفاق القاهرة المشؤوم لعام 1969 الذي حوّل لبنان إلى ساحة حروب إقليمية ودوليّة في الشرق الأوسط. وهذه الاتّفاقيّة تمتلِك مقوّمات حماية لبنان لأن من شأن تطبيقها أن ينظّم الواقع الامني على جانبي الحدود، ويفرض على إسرائيل عدم مهاجمة لبنان، ويفرض سحب سلاح حزب الله ومنع أية اعمال حربية ضدها. كما تحدد الاتفاقية الحدود الدولية للبنان، وهي حدود العام 1923، وتمنع الاجتهاد بهذا الصدد، وتسمح بمطالبة لبنان المجتمعَ الدولي بتحمّل ظلمه وظلم كلّ من ساهم منذ عام ١٩٦٩ بتحويل لبنان إلى ساحة حروب إقليمية ودولية، وتساعده في طلب التعويضات عن ذلك.
ح- يرى المشاركون في المؤتمر إنَّ حجز أموال الشَّعب اللُّبناني والاستيلاء عليها من تحالُف المافيا – الميليشيا جريمة منظَّمة موصوفة تعاقِب عليها القوانين الوطنيّة والإقليميّة والدَّوليّة، وبالتَّالي لا بُدَّ من سلوك كافَّة المسارات القضائيَّة المتوفِّرة لمُحاكمة مرتكبي هذه الجريمة، وتأمين استِعادة الشعب اللُّبناني كامِل حقوقه.
ط- إنَّ المرأة اللّبنانيّة تُشكِّلُ عصب الثَّورة على الفساد والإقطاع والذهنيَّة الفوقيَّة، وهي معنيّة بتعميق نضالِها بُغْيَة المشاركة الفاعِلة في الحُكْم الرشيد وحسن إدارة الموارد على كُلّ المستويات. ويجب العمل على تأسيس مجلس وطني يعنى بتحفيز المرأة على المشاركة الفاعلة في الحياة السياسية كما في الحياة الاقتصادية لما لدورها من أهمية في التغيير وفي تحريك الاقتصاد.
ي- في أزمة الدواء والقطاع الطبي، يرى المؤتمر أن انتشار وباء كورونا Covid19 في لبنان كشف عن نقاط ضعف الدولة. ولقد تسارعت موجة هجرة الأطباء والممرضين وموظفي الرعاية الصحية مع بدء الأزمة المالية، ثم تزايدت بعد انفجار 4 آب لتبلغ ذروتها الآن في ظل النقص الكارثي في الأدوية والإمدادات. هذه الأزمة باتت تهدد عدداً من المستشفيات بالإقفال، فيما يغرق السوق بالأدوية والأجهزة والمعدات ذات الجودة المنخفضة وغير المصادق عليها رسمياً، كالأدوية الإيرانية. ويؤيد المؤتمر في هذا الإطار النداء الذي وجهته منظمة “القمصان البيض” في حزيران الماضي إلى الأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية لاعتبار لبنان دولة فاشلة غير قادرة على إدارة أزمة الرعاية الصحية وحماية حقوق المرضى وتأكيدها أن لا حل سوى بفتح قنوات إمداد مباشرة مع القوات النشطة على الأرض، كمستشفيات الجامعات الكبرى والصليب الأحمر والجيش والمنظمات غير الحكومية، وتحقيق شراكة بين القطاعين العام والخاص تحت إشراف دولي.
ك- يثمن المشاركون ما ورد في “قائمة الحقوق الأساسية للمواطن في لبنان” Bill of Rights التي اقتُرحت في خلال انعقاد المؤتمر في واشنطن ويعتبرها جديرة بالمناقشة الجدية تمهيداً لاعتمادها وإلحاقها بالدستور اللبناني، كونها تحمي حقوق المواطن وتضعه في صلب صناعة القرار في لبنان.
ل- إنَّ الشَّباب اللّبناني، وعلى الرّغم من محاولات منظومة المافيا – الميليشيا تفقيره وتيئيسه وتهجيره، معنيُّون بالصُّمود والثَّبات. حتَّى أولئك الذين أرغِموا على الهجرة للعمل أو الهجرة الدَّائمة، معنيُّون بالصُّمود والثَّبات في مواجهة خيار تدمير لبنان وتغيير هويّته الحضاريّة، ولكُلّ من موقعه القدرة على المُساهمة في المواجهة والثَّبات والصُمود.
إنَّ منظّمي مؤتمر “دروع لبنان الموحد” إذ يُقدّرون تضحيات الشَّعب اللّبناني النِّضاليّة الفكريّة والميدانيّة لتحرير لبنان من محتلّيه وعودته سيّداً مستقِلّاً تسوده كرامة الإنسان ووحدة المجتمع مُساهماً في السَّلام والأمن الإقليميّين والدَّوليّين، يعِدون المواطنات والمواطنين اللّبنانيّين بأنّ الاغتراب إلى جانبهم في وحدة الرؤية التّغييريّة والبرنامج الإنقاذي، وكلنا على ثقة بأن لبنان الرِّسالة سينتصر.