كتب عمر البردان في “اللواء”:
يؤشر الدخول المصري القوي على خط تأليف الحكومة، إلى توجه جاد لدى القاهرة للدفع باتجاه إزالة العقبات من أمام الرئيس المكلف سعد الحريري، لمساعدته في تشكيل حكومة جديدة بعد ما يقارب من تسعة أشهر على تكليفه. وقد وجد الرئيس الحريري خلال لقائه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ووزير خارجيته سامح شكري، أمس، كل الدعم من أجل تشكيل حكومة واعدة تنقذ لبنان من الانهيار. وفي وقت تمنى المسؤولون المصريون على الرئيس المكلف عدم الاعتذار، فإنهم أبدوا استعداداً للمساهمة في الخطوات الآيلة إلى تسهيل التأليف، من خلال وفد رفيع، قيل أنه سيصل بيروت في الأيام القليلة المقبلة، لتقريب وجهات النظر بين المعنيين بعملية التأليف، بالرغم من الانشغالات المصرية في ملف سد النهضة الذي يرخي بثقله على التطورات الداخلية والاهتمامات الخارجية، لكن هذا الاندفاع المصري باتجاه لبنان، لم يلغ التساؤلات عن مدى قدرة القاهرة في إحداث خرق في الجدار، ما يدفع فريق العهد إلى الاستجابة لهذه المساعي، أم أن الأمور ستبقى تراوح، بانتظار جواب رئيس الجمهورية ميشال عون على تشكيلة الـ24 التي تسلمها من الرئيس المكلف، عصر أمس.
وإذ اعتبرت أوساط بارزة في تيار «المستقبل»، أن التحرك المصري يأتي انطلاقاً من ظروف لبنان الضاغطة التي لا يحسد عليها، فإنها رأت أن إخراج الأمور من دائرة المراوحة مرهون برد الرئيس عون التشكيلة الثانية التي قدمها له الرئيس الحريري، وبمدى استجابة الأول، للجهود المصرية التي تسعى لتعبيد الطريق أمام الحكومة المنتظرة التي قد تبدو بعيدة، في حال لم يتجاوب العهد مع هذه الجهود التي لا تزال تصطدم بشروط تعجيزية، تمنع تأليف حكومة وفق التصور الذي وضعه الرئيس المكلف، وما زال متمسكاً به وفق المبادرة الفرنسية، وبعدها مبادرة الرئيس نبيه بري.
ويأتي التمسك المصري بالرئيس الحريري لتشكيل الحكومة الجديدة، ليتلاقى مع موقف روسي مماثل أعلن بكل وضوح ضرورة أن يكون الرئيس الحريري على رأس الحكومة الجديدة، وهو ما تم إبلاغه إلى رئيس تكتل «لبنان القوي» النائب جبران باسيل من قبل مبعوث الرئيس الروسي ميخائيل بوغدانوف، حيث دعا الأخير رئيس «العوني» إلى تقديم التنازلات المطلوبة لتسريع تأليف الحكومة، وملاقاة الرئيس الحريري في منتصف الطريق، وإنقاذ البلد من السقوط في الهاوية. في حين تتسارع الجهود الأميركية والفرنسية، لتوفير مقومات الدعم اللازمة للشعب اللبناني الذي يواجه ظروفاً بالغة الصعوبة، تتطلب التفافاً دولياً من أجل الوقوف إلى جانبه، للخروج من هذه الأزمة، توازياً مع استمرار التهديدات الأوروبية بفرض عقوبات على شخصيات لبنانية متهمة بعرقلة تأليف حكومة تنقذ البلد. وفي وقت تؤكد جهات أوروبية ودولية أن الجيش اللبناني يشكل الضامن للإنقاذ، بالرغم من ظروفه البالغة الصعوبة، كونه المؤسسة الوحيدة التي لا تزال تحظى بثقة اللبناني والمجتمع الدولي. إذ تعول عواصم القرار والدول الصديقة للبنان من عربية واجنبية على المؤسسة العسكرية ودورها في المحافظة على الاستقرار ومواجهة الفلتان الذي قد ينجم عن الانهيار الشامل للمؤسسات الرسمية التي تتعرض إلى التحلل والتوقف عن اداء دورها.
وتكشف المعلومات أن الأميركيين والفرنسيين، طلبوا من حلفائهم الخليجيين، العمل على توفير الدعم المطلوب للجيش اللبناني القادر على حماية الاستقرار في لبنان، إذا انهارت المؤسسات السياسية، وما ينجم عن ذلك من تدهور أمني لا يمكن التكهن بنتائجه، سيما وأن الساحة اللبنانية مشرعة على كافة الاحتمالات لما تحويه من تنظيمات وخلايا إرهابية قد تستغل حالة الفلتان لتنفيذ مخططاتها في زعزعة الاستقرار في لبنان. ولهذا السبب فإن الأميركيين والفرنسيين، يعملون من أجل توفير أوسع دعم للمؤسسة العسكرية، بالنظر إلى المهام التي تنتظرها على أكثر من صعيد، وتحديداً على صعيد بسط سلطة الدولة اللبنانية على كامل أراضيها، في إطار السعي ليكون الجيش القوة العسكرية الوحيدة على الأراضي اللبنانية.
وفي حمأة الانشغالات بالأزمات التي تعصف بلبنان، وتهدد مستقبله، فإن التهديدات الإسرائيلية أثارت قلقاً داخلياً وخارجياً، ما دفع مصادر دبلوماسية إلى التحذير منها، والدعوة إلى تحصين الجبهة الداخلية لمواجهتها، وتالياً عدم إعطاء إسرائيل أي مبرر، للاعتداء على لبنان الذي يعاني أوضاعاً بالغة التعقيد، تستدعي التفافاً داخلياً، لتوحيد الجبهة الوطنية من أي تأثيرات خارجية.