يتحدثون عن التجربة السنغافورية كنموذج لبناء دولة حديثة ناجحة، وعاصمة عالمية للتكنولوجيا والاستثمارات الدولية، من العدم، فيما حوّلَ جهابذة اللاسياسة واللاأخلاق وعديمو المؤهلات والضمير لبنان من الجنّة الى العدم.
في العام 1964 أتى وفد سنغافوري رسمي الى لبنان لأخذ أفكار من التجربة اللبنانية الرائدة في ذلك الزمن، حيث كانت بيروت منارة فريدة للفكر والحرية والعيش المشترك وقبلة للسياحة والعلم والاستشفاء.
إلتقى الوفد السنغافوري مسؤولين حكوميين في بيروت ولا سيما منهم السيد محمد عبدالله والدكتور نزار يونس على مدى ايام من الاجتماعات والجولات في الربوع اللبنانية، وعادوا الى بلادهم بنصيحة ذهبية.
تعتبر سنغافورة بلداً متعدد الديانات (مثل بلدنا)، بسبب الخليط العرقي المتواجد فيه، وكانت في تلك الحقبة تعاني الاندماج مع ماليزيا وترزح تحت اضطرابات اجتماعية ونزاعات بين حزب العمل الشعبي الحاكم في سنغافورة وحزب التحالف في ماليزيا، ما تسبّب في انفصال سنغافورة عن ماليزيا لتصبح جمهورية مستقلة في آب 1965.
كانت سنغافورة تعاني أيضاً أزمة حادة في الإيواء والبطالة، والفقر والحاجة الى كل شيء.
لكنها اليوم، وبعد مرور نحو 57 عاماً نجحت نجاحاً عظيماً لتكون منارة للحداثة والتطور والتكنولوجيا وقبلة للازدهار والسياحة والاستثمارات العالمية.
وبحلول التسعينات، أصبحت سنغافورة من أكثر الدول ازدهاراً في العالم، مع تطور كبير لاقتصاد السوق الحرة، وروابط التجارة العالمية القوية، وحققت أعلى إجمالي للإنتاج المحلي لكل فرد في آسيا خارج اليابان.
وتعتبر رابع أهم مركز مالي في العالم ومدينة متألقة تؤدي دوراً مهماً في الاقتصاد العالمي. ويعدّ مرفأ سنغافورة خامس مرفأ في العالم من ناحية النشاط. وتمتلك تاسع أعلى احتياطي في العالم. ويحلّ الجواز السنغافوري في المركز السادس على مستوى العالم حيث يمكّن صاحبه دخول 167 دولة من دون تأشيرة مسبقة.
النموذج اللبناني
أمّا لبنان، فقد انهار كنظام طائفي تحاصصي هَش، بفيتوات متبادلة، ومبني على اللاعدالة الاجتماعية، ومُسرطَن بنهج الفساد والمال الحرام والهيمنة والولاء للخارج، وهربَ منه المستثمرون وتوقفت الاستثمارات وحوّلت غالبية المصارف نفسها الى كازينوهات للمقامرة بأموال المودعين بلا محاسبة ولا رادع (حتى الآن).
كما شهد لبنان انحسار الخَلق والابداع في الفكر والسياسة والاقتصاد، وجنوح غالبية الطبقة السياسية الحاكمة نحو نهب خيرات البلد، والغرق في العجز والكذب والتضليل وسوء الامانة والادارة، وعدم المبالاة بما اقترفت أيديهم، ولا بحقوق اللبنانيين، وكأنّ الدولة أملاك خاصة بهم والناس عبيد عنهم. وبالتالي، تحوّل لبنان الى دولة فاشلة تسرق شعبها وتسطو على جنى أعمارهم وتحرمهم الغذاء والدواء وتسلبهم الحرية والكرامة.
النصيحة الذهبية
ولكن، ما هي النصيحة الذهبية التي خرج بها الوفد السنغافوري من زيارته للبنان؟
طرح الوفد سؤالاً في نهاية الزيارة مَفاده: في ضوء خبرتكم اللبنانية المميزة، ما هي نصيحتكم لنا من أجل نجاح سنغافورة في بناء دولة حديثة؟ فأجابه الدكتور يونس: لا تفعلوا مثلنا، بل افعلوا عكس ما نفعل.