حسن المصطفى – “العربية”:
عندما يذهب رئيس الوزراء العراقي إلى الولايات المتحدة، ويلتقي رئيسها جو بايدن في البيت الأبيض، يوم 26 تموز الحالي، سيكون لديه رصيد معنوي وشعبي وسياسي واضح، حيث يغادر العاصمة بغداد، بعد أن تم إلقاء القبض على قاتل الباحث العراقي هشام الهاشمي، الذي اغتيل أمام منزله في منطقة “زيونة”، تموز 2020، حيث أطلق الرصاص عليه أحمد حمداوي عويد الكناني، والذي بثت الفضائية “العراقية” يوم الجمعة 16 تموز 2021 اعترافاته المسجلة، اي بعد نحو عام على عملية الاغتيال.
تهمة العمالة!
كانت هنالك ضغوط شعبية وسياسية كبيرة، من أجل كشف المتورطين في عملية قتل الهاشمي، خصوصاً أنها جريمة “اغتيال سياسي”، وليست ذات طبيعة “جنائية”، ما يعني أن المرتكبَ هو فرد نفذ عمليته وفق رؤية سياسية وأيديولوجية محددة، وهو ما كشف عنه الباحث العراقي د.حارث حسن، في تغريدة له عبر منصة “تويتر”، مبيناً أن المنفذ اعترف في التحقيق بأنه “قيل له إن هشام يعمل لصالح الأمريكيين ويجب القضاء عليه”.
تهمة “العمالة للشيطان الأكبر”، هي عادة ورقة تستخدمها القوى “الأصولية” تجاه خصومها أو من تختلف معهم. وهذا السلوك تمارسه تنظيمات مثل “القاعدة” و”داعش”، وأيضاً “المليشيات المسلحة الموالية لإيران”، والأخيرة زادت من وتيرة هجماتها على المعسكرات الأميركية في العراق، بهدف إجبار القوات الأجنبية على مغادرة البلاد، وبالتالي فهم يعادون أي فريق أو شخصية لا تتوافق معهم في منهجهم الذي يستند على ما يسمونه “مقاومة الاحتلال الأميركي”، ويعتبرون شخصيات مثل رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي وفريق عمله الذي كان هشام الهاشمي أحد الأسماء البارزة فيه، يعتبرونهم مجرد “عملاء للأمريكان”، وهذا الخطاب يمكن الوقوف عليه بوضوح في تصريحات “ابو علي العسكري”، وهو الشخصية المثيرة للجدل، والمرتبطة بـ”كتائب حزب الله”.
مسؤولية “الكتائب”
ما سبق يقود للسؤال عن علاقة “كتائب حزب الله” العراق باغتيال الكاتب هشام الهاشمي، خصوصاً أن الاعترافات التي بثت لأحمد حمداوي عويد الكناني، لم توضح اسم الجهة التي أعطته الأوامر، أو إلى أي فصيل ينتمي، مكتفية بالإشارة إلى أنه يعمل ضابطاً في “وزارة الداخلية” برتبة ملازم أول.
الكناني وفي اعترافاته التي بُثت، أومأ إلى شخصية لم يُسمها هي من أعطته الأوامر، وكانت تتابع وتشرف على سير العميلة، للتأكد من تنفيذها، وهو ما يشير صراحة إلى أنها ليست جرماً فردياً، بل “إرهاب منظم”.
المعلومات الخاصة التي حصلت عليها “العربية.نت” من مصادر، أفادت أنه “ضمن الاعترافات التي لم تبث على شاشات التلفاز، اعترف الضابط أحمد الكناني أنه انتمى إلى صفوف كتائب حزب الله في العام 2012، عن طريق أحد أصدقائه”.
أيضاً، وضمن التحقيقات التي لم تبث، أكد مصدرٌ عليم أنه “وفق الاعترافات فإن الجناة الآخرون هربوا الى إيران بعد ورورد معلومات للكتائب عن قيام الأجهزة الأمنية بتعقب الاتصالات في وقت حدوث الجريمة، لكنه لم يستطع الهرب بسبب التزامه بالدوام في وزارة الداخلية”.
هذه المعلومات، وسواها الكثير بحوزة الجهات الأمنية المختصة، تشير إلى تورط عناصر “كتائب حزب الله” في الاغتيال، وبالتالي مسؤوليتها السياسية والعملية والأخلاقية عنها.
لماذا الصمت؟
إذا كانت “الكتائب” هي المتورطة، فلماذا لم يتم الإعلان عنها صراحة؟
يشير المصدر الذي تحدثت له “العربية.نت”، إلى أن “المشاركين في العملية مثل ما صرح الجاني في اعترافاته كانوا أكثر من شخص، وما زال بعض الأفراد متواجدين خارج العراق”، وعليه فإن الكشف عن كل التفاصيل سيضرُ بمجريات التحقيق، لأن الهدف هو إلقاء القبض على مجمل الخلية المتورطة في العملية، وليس مجرد توقيف فرد واحد منها وحسب، مؤكداً على أن “تحقيق العدالة أمرٌ مهم للغاية، وهكذا حقوق لا تسقط بالتقادم.. كما أن الاعتداءات والانتهاكات سوف ينال مرتكبوها عقوبتهم ولو تأخر الأمر بنظر البعض قليلاً”.
رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، تحدث في يونيو الماضي، عن أن “العراق كان على حافة حرب أهلية أو حرب بين قوتين مهمتين في المنطقة، وقد جاءت هذه الحكومة لتحقن دماء العراقيين وصناعة فرصة للأمل”، ما يعني أنه يريد أن يحقق الإنجازات التي وعد بها الشعب دون “إراقة دماء” وهذا أمر يتطلب الوقت الطويل.
كان بمقدور حكومة الكاظمي منذ اليوم الأول أن تدخل في مواجهة مباشرة مع “المليشيات المسلحة”، إلا أنها تعلم أن هنالك كلفة عالية سيتم دفعها دون أن تحقق النتيجة المرجوة، ولذا، عمل الكاظمي على محاولة تضييق الخناق على “المليشيات”، عبر الضغط على الجهات الداعمة لهم سواء في إيران أو العراق، ومحاولة رفع الغطاء السياسي والديني عنها، وأيضا ملاحقة بعض عناصرهم، وتوقيف عدد من الخلايا، والأهم إعادة بناء الأجهزة الأمنية والاستخباراتية الحكومية، وتقليل نفوذ الأحزاب والطوائف داخل الأجهزة.
هي إذن عملية تحتاج وفق المصدر إلى “صبر وطولة بال”، دون نسيان أن “عمر هذه الحكومة عام واحد وليس سبعة عشر عاماً، ومع هذا واجهنا الحكومة كل التحديات كي نحافظ على دماء العراقيين”، كما صرح مصطفى الكاظمي في حديثه الذي بُث في الشهر الماضي.
تقوية القضاء
الكاظمي في مواجهته مع “المليشيات” الخارجة على القانون، يعمل على “تقوية الجهاز القضائي”، كي لا تتكرر ذات تجربة القيادي في “الحشد الشعبي” قاسم مصلح، الذي ألقت القوات الأمنية القبض عليه بتهمة التورط في عملية اغتيال الناشط إيهاب وزني، إلا أن القضاء أطلق سراحه يونيو المنصرم، بحجة عدم كفاية الأدلة، إلا أن مصدراً أكد لـ”العربية.نت”، أن المشكلة تكمن في “الضغوط الكبيرة التي مورست على القضاء، وعدم وجود تعاون واستراتيجية عمل بين مختلف الأجهزة، إضافة للنفوذ الذي تحظى به الأحزاب والمليشيات في عدد من مؤسسات الدولة”.
المصدرُ يوضح أنه “كان بمقدور السيد مصطفى الكاظمي أن تعلن حكومته تورط كتائب حزب الله في مقتل هشام الهاشمي، وسيصفق له الكثير، ويتحمس آخرون، وسيغضب آخرون أيضاً.. لكنه ليس بهذه الطريقة تبنى الدولة، وليس هكذا يطبق القانون”، مبيناً أنه “التحقيقات المتواصلة ستكشف عن الكثير من التفاصيل، والقضاء ومجريات المحاكمة ستوضح حينها الجهات التي تورطت في مقتل الهاشمي، وبهذه الطريقة يمكن تحقيق العدالة”.
دعمُ الحلفاء
إذن، هي معركة طويلة من أجل إنفاذ القانون، لا تستطيع حكومة الكاظمي وحدها أن تطبقه، ولذا، تحتاج لدعم الفرقاء السياسيين والشخصيات المؤثرة داخلياً، والذين قد يكون واحداً من أهمهم رئيس تيار “الحكمة” السيد عمار الحكيم، والذي أعلن بشكل صريح عبر حسابه في “تويتر” تأييده لخطوات الحكومة، قائلاً “إن اعتقال قتلة الشهيد هشام الهاشمي يمثل إنتقالة في الأداء الإستخباري، يجب ترسيخه بخطوات مماثلة لاعتقال من يقف وراء اغتيال الناشطين والمتظاهرين والصحفيين، كما ونطالب بإعلان نتائج التحقيق في الحوادث التي حصلت لاسيما حريق مستشفى الإمام الحسين في ذي قار وتقديم المتسببين إلى العدالة”.
هذا الموقف السريع والمباشر من الحكيم، يشير أيضاً إلى الخيارات السياسية التي يتبناها زعيم “تيار الحكمة”، وهي خيارات ذات طابع وطني عراقي، تريد أن تحصر السلاح بيد الدولة وفقط، وأن يكون القرار السياسي والأمني مستقلاً عن تأثير إيران وسواها من الدول، وأن يكون العراق على علاقات حسنة مع محيطه العربي والإسلامي، وأن لا تكون هنالك في الداخل فصائل موالية لجهات أجنبية، وهي ذات الرؤية التي تتبناها حكومة مصطفى الكاظمي، وتؤيده فيها شريحة واسعة جداً من العراقيين، خصوصا بين أوساط “شباب تشرين”، وتحظى أيضاً بمباركة “مرجعية النجف”، وهي شبكة الأمان الداخلية التي إذا زاد المنضوون تحتها، سيكون بمقدور الحكومة البدء عملياً في حل “المليشيات” غير النظامية، ومحاسبة المتمردين الذين لا ينصاعون لإرادة القانون.