جاء في “اللواء”:
بعيداً عن «تهويشات» المحللين، الذين ينقسمون بين تابع وواجف وتافه، والمبصرين، والخيبات التي تصيب قراء المستقبل من الملهمين، والذين يضربون في الغيب لإدراك علم ومداخلات الفنانين والفنانات من لبنانيين وسوريين وربما عرب، والذين يشغلون «التويتر» ومواقع التواصل الأخرى، وحتى سائقي التاكسي، وموظفي القهاوي والمطاعم، بما في ذلك نواطير البنايات من «الأخوة السوريين والسودانيين والمصريين» وصولاً إلى «الأشقاء البنغال والأثيوبيين»، يبقى السؤال: من يحكم لبنان؟ واستطراداً ما هي مسؤولية القوى الممسكة بزمام الأمور، أو ما يعرف «بالطبقة السياسية» أو المافيا الحاكمة، أو عصابة «المال والاحتكار»، وعلى وجه الدقة: ما هي مسؤولية التيار الوطني الحر، الذي انتقل من مرحلة إالإصلاح والتغيير» إلى مرحلة «العهد القوي»؟
والسؤال الأخطر: ما هي مسؤولية جبران باسيل، اللاعب البارز في جبهة اتخاذ القرارات في بعبدا، منذ أن وصل القوي في طائفته إلى سدة الرئاسة الأولى؟
ربما هذا السؤال لا يعني الشاب الذي تدرج من طالب مغمور في الجامعة الأميركية، كان يبحث عن طريق يأخذه إلى الحياة العامة، قبل أن ينسحر بتجربة الجنرال المتمرد، والذي كتب عنه الكثير ان الخلاص به، أي العماد ميشال عون عندما كان قائداً للجيش اللبناني.
تدحرجت تجربة جبران من طالب، إلى متحمس، إلى لصيق بالجنرال، عبر المصاهرة. حتى الآن لا مشكلة، فهذا ضمن حقوق الرجل الطبيعية.
كان «الثأر من الطائف» ومن حقبة إبعاد عون إلى باريس، المنفى الطبيعي، بعد سقوط حكومته العسكرية، هو الهاجس الأول للشاب الصاعد، الباحث عن مجد يضاهي مجد كميل شمعون أو سطوة بشير الجميل.
ذهب باسيل إلى الطريق الأسهل، والمضمون النتائج، التوازن الداخلي، يكون بكسب ثقة حزب الله، القوة الشيعية الصاعدة، والقوة المسلحة الأكثر تأثيراً في صراعات لبنان والمنطقة، فكان له ما أراد في لحظة تاريخية خطيرة، في إعادة إحياء النزاعات والصراعات المذهبية داخل «البيت الإسلامي» أو الحرب السنية – الشيعية، مع صعود القاعدة، وطالبان، وداعش، والنصرة وسائر التنظيمات الدائرة في فلك «التكفير والهجرة» والدعوة إلى القتال على الجبهة المذهبية مع الشيعة.
استثمر في المقاومة، ونجح باسيل في حجز المقاعد النيابية، بعد أن دخل سعد الحريري، من موقع القوة في تسوية رئاسية، ظن أنها خشبة الخلاص لجملة من الأزمات الخاصة والعامة، مستفيداً من العلاقة التي كانت تربط ابن عمته نادر الحريري مع باسيل عندما كانا طالبين على مقاعد الدراسة في الأميركية.
دلت التجربة أن الحريري الابن، رئيس تيار 14 آذار، ورئيس تيار المستقبل، ورئيس اكبر تكتل نيابي في تاريخ لبنان، ورئيس مجلس الوزراء في واحدة من اللحظات الصعبة في تاريخ لبنان خسر الرهان، وتتالت عليه الضربات، فخرج أولاً من «الترويكا» التي كانت تمثل حكم الأقوياء في طوائفهم، بعد انتفاضة 17 (ت1) 2019 العارمة، والتي كان من نتائج فشلها المتتالي أن «فلت الملق» في البلد، ولا حاجة لشرح ذلك، بعدما اقترب سعر صرف الدولار في السوق السوداء من الـ25 ألف ليرة لبنانية، في انهيار فاق التصورات، ليس لدى المحللين الذين جرت الإشارة إليهم استهلالاً، بل حتى لكبار الاقتصاديين في لبنان الذين لم يأتِ علمهم بأي مردود إيجابي على البلد.
منذ التسوية، التي كانت لها ظروفها، ومنطقها، ودلت النتائج السياسية والاقتصادية والانهيارات المتتالية عقم حصولها، والحريري ينزف، ويخسر من رصيده، على مستويات تنظيمية، وتحالفات، وعلاقات داخلية وعربية، وحتى دولية.
بدا الرجل وحيداً في معركة استعادة الدور من خلال العودة إلى رئاسة مجلس الوزراء، وبدا جبران باسيل، صاحب الكلمة الفصل في «بطانة بعبدا» المنتصر، في لعبة «السيف والترس» على مسرح الدمى الميتة في بلد حولته زعاماته إلى «جثة في مستشفى المجانين» لا أحد يجرؤ على الدخول اليه.
تمكن باسيل من إقصاء الحريري، وهو يذرف دموع التماسيح على اعتذار «دولة الرئيس»… ويحاول أن يطلق العنان لدورة جديدة من التآكل الداخلي، متبرِّئاً من دم هذا الصديق!
ومن النتائج التي يتعين على باسيل الإجابة عنها:
1- ماذا عن الكهرباء، وأين وعود الـ24/24 في العام 2015؟ ها هو لبنان يودع الـ2021 ومؤسسة كهرباء لبنان تقترب من صفر تغذية بالتيار. ما هي مسؤوليتك أنت جبران باسيل عما آلت إليه الأوضاع في الوزارة التي كنت على رأسها، ووضعت مساعديك تباعاً من ندى البستاني إلى ريمون غجر، في رأس الوزارة؟
2- لماذا مددت يدك إلى كهرباء زحلة، التي كانت تغذي المدينة ومحيطها بالطاقة 24/24، وجئت تثأر من تجربة رائدة، لا شأن لك بها، بدلاً من تعميم هذه التجربة على كل لبنان؟
3- تحت شعارات استعادة حقوق المسيحيين وضعت البلد، على شفا انقسام بالغ الخطورة وعلاقات سياسية ومجتمعية بالغة التصدع… هل عليك مسؤولية أم لا؟ يتعين أن تجري مراجعة قوية لإنجازاتك الفعلية، ولا بأس من التبريرات أن نبيه بري منعك، وأن الطبقة الفاسدة تقف في وجهك.
4- أنت الآن تتحكم بمفاصل القرار في الدولة، عبر آلية مبتكرة، غير مسبوقة، ليس بالضرورة أن تكون أنت من اخترعها، أو اهتدى إليها، وهي حكم لبنان عبر «المجلس الأعلى للدفاع»، بدلاً من النص الواضح في دستور الطائف من أن مجلس الوزراء هو مكان السلطة الاجرائية.
5- ساهمت بزيادة الاحتقان في البلد، والسؤال: ماذا بقي من طروحات الأقوياء في طوائفهم، هل أنت ستقبل يوماً بأن يكون سمير جعجع مرجعية المسيحيين ورئيساً للبلد إذا حصل على اكبر كتلة نيابية في البرلمان… وماذا عن المرشح الآن لرئاسة الحكومة، وهل سيكون الأقوى في طائفته؟
شيء وحيد لم يسقط بعد، هو هذا الشخص، الذي قدر له أن يلعب على مسرح الحدث اللبناني… فعبث طويلاً في مصالح البلاد والعباد.
قل لي، ماذا بقي من الشعارات والأوهام، على مشارف انهيارات كبرى تحدق بهذا البلد البسيط، الذي لعب رجال تحاول أن تتمثل بهم، دوراً في وضعه على سكة الازدهار أو العالمية.
المسألة، مع الانهيارات التي تداعت، منذ 17 (ت1) 2019، ولغاية الآن، وبمتوالية حسابية هائلة، أن توقف «قوى العبث» بالبلد اللعب، وتجري مراجعة نقدية للتجربة… ولتنهار التحالفات والتفاهمات… فلا معنى لبلد يجلد شعبه كل يوم، ويصلب على مذبح رهانات رعناء دلت التجربة على عقمها!