كتب محمد شقير في “الشرق الأوسط”:
لم يفاجأ رئيس الجمهورية ميشال عون بردود الفعل الدولية على اعتذار الرئيس سعد الحريري عن عدم تشكيل الحكومة إلا إذا أراد فريقه السياسي أن يحجب الأنظار عن المداولات التي سادت اجتماعه بسفيرتي الولايات المتحدة الأميركية دوروثي شيا والفرنسية آن غريو اللتين طلبتا تحديد موعد عاجل للقائه لإبلاغه رسالة أميركية – فرنسية عاجلة بتسهيل مهمة الرئيس المكلف والتعاون معه لإسقاط الشروط التي تعيق تشكيل الحكومة.
وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر دبلوماسية غربية بأن السفيرتين شيا وغريو اتصلتا بمكتب رئيس الجمهورية وأبدتا رغبتهما بلقاء عون لينقلا إليه رسالة مشتركة من واشنطن وباريس، وجاءهما الجواب بأنه على استعداد لاستقبالهما يوم السبت – أي أول من أمس – لكنهما أصرتا على أن يحدد الموعد لهما قبل أن يتوجّه الحريري إلى بعبدا ليودع عون تشكيلة وزارية من 24 وزيراً.
وكشفت المصادر الدبلوماسية الغربية عن أن عون تجاوب مع إلحاحهما على لقائه قبل أن يستقبل الحريري، وقالت إن إلحاحهما يكمن في أنهما أرادتا أن تقطعا الطريق على دخول عون في اشتباك سياسي مع الرئيس المكلف يدفع به للاعتذار عن تشكيل الحكومة، ما يفتح الباب أمام ارتفاع منسوب التأزُّم السياسي تقديراً منهما لتعذّر وجود البديل لخلافته في تشكيل الحكومة.
لكن شيا وغريو لم تفلحا في تبريد الأجواء بين عون والحريري وحصل بينهما ما توقعتاه، ولم يخفف البيان – الذي صدر عن رئاسة الجمهورية في أعقاب تسلُّم عون لائحة بأسماء التشكيلة الوزارية – من عدم ارتياحهما لما آلت إليه العلاقة بينهما وكانت وراء اعتذار الحريري، مع أن المستشار الرئاسي الفرنسي باتريك دوريل كان اصطدم باستمرار العراقيل التي تؤخر تشكيل الحكومة، وإلا لماذا تجنّب في لقاءاته التي عقدها تسليط الأضواء على الأجواء التي سادت اجتماعه برئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل؟
كما أن دوريل تصرّف، في لقاءاته بعدد من المكونات الرئيسية التي كانت شاركت في اللقاء الذي عقده الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في زيارته الثانية لبيروت مع الأطراف السياسية المعنية بتشكيل الحكومة، وكأن هناك استحالة في أن يجمع عون بالحريري تحت سقف واحد، وإلا لماذا سأل عن البديل؟ وما العمل في حال افترضنا أن الحريري سيعتذر عن تشكيل الحكومة مع أن اجتماعه بالأخير سبق توجُّه الحريري في اليوم التالي للقاء عون قادماً من القاهرة بعد اجتماعه بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.
فالموفد الرئاسي الفرنسي عندما سأل عن البديل وما العمل في حال اعتذار الحريري لم يتطرق بطريقة أو بأخرى في لقاءاته إلى أسماء المرشحين لخلافة الحريري، أو يسأل من التقاهم إذا كان لديهم من مرشح، وإنما أراد أن يمرر رسالة يحثّهم فيها على عدم تفويت الفرصة في وقت يتدحرج فيه البلد نحو الانهيار الذي لا يمكن وقفه إلا بتشكيل حكومة إصلاحية قادرة على استعادة ثقة المجتمع الدولي بلبنان طلباً لمساعدته مالياً واقتصادياً من جهة، وتتمتع بمصداقية لدى اللبنانيين شرط استجابتها لتطلعاتهم.
لذلك لم يكن أمام المجتمع الدولي فور اعتذار الحريري سوى المطالبة بالإسراع في تشكيل الحكومة، وهذا ما برز في الموقف المشترك لوزيري خارجية الولايات المتحدة أنطوني بلينكن وفرنسا جان إيف لودريان والممثل الخاص للرئيس الروسي إلى الشرق الأوسط ميخائيل بوغدانوف، إضافة إلى موقف مماثل لكل من الأمم المتحدة وبريطانيا وأمين عام جامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، علماً بأن القاهرة كانت السبّاقة في تبنّيها للمسار الحكومي للحريري.
وفي المقابل، تداعى رؤساء الحكومات السابقون فؤاد السنيورة وتمام سلام والحريري لعقد اجتماع طارئ، شارك فيه عن بعد نجيب ميقاتي لوجوده خارج البلاد، وعلمت «الشرق الأوسط» بأنهم حسموا أمرهم بعدم ترشيحهم لأحد لخلافة الحريري الذي رفض أيضاً تسمية من يخلفه، وعزوا السبب، بحسب مصادرهم، إلى تمسكهم بالعناوين السياسية التي طرحها الحريري وأن لا جدوى من دخولهم في بازار التسمية، لأن من يرفض التعاون مع الحريري ليس في وارد التعاون مع بديله.
وعليه، فإن كرة تأليف الحكومة ارتدّت إلى حضن عون – كما يقول مصدر نيابي بارز لـ«الشرق الأوسط» – في ظل استمرار الغموض المترتّب على خلو الساحة حتى الآن من أي مرشح لتولّي رئاسة الحكومة، وإن طرح اسم النائب فيصل كرامي يأتي في سياق الترشيحات الإعلامية، مع أن اتصال الحريري به جاء قبل أيام من اعتذاره، وبالتالي لا يمكن البناء عليه في السباق إلى الرئاسة الثالثة الذي لم يبدأ بعد.
ويبدو أن رئيس المجلس النيابي نبيه بري ليس في وارد التدخّل، فيما تتوقف الدعوة للاستشارات النيابية المُلزمة على ما يمكن التوصل إليه حول أسماء المرشحين، وهذا لا يزال متعذّراً، وبالتالي ليست هناك من مشكلة إذا تأخر عون في توجيه الدعوة للنواب لعل الوقت الفاصل عن تحديد موعد الاستشارات يسمح في الوصول إلى اسم توافقي، إلا إذا كان الفريق السياسي المحسوب على رئيس الجمهورية في حاجة إلى التريُّث ريثما يتمكن من اختيار اسم يُطلب منه بأن يترأس حكومة مثل حكومة حسان دياب المستقيلة وعندها يستمر لبنان في السقوط.
وفي هذا السياق، يقول المصدر النيابي إن ما قبل تأليف الحكومة يبقى شأناً داخلياً، وإن العمل يبدأ فور تأليفها شرط أن يكون على رأس الحكومة من لديه القدرة على مخاطبة الأسرة الدولية والتوجُّه إلى المجتمع الدولي طلباً للمساعدة، ومن دون أن تتوافر فيه كل هذه الشروط فإن الكفاءات التي يتمتع بها ليست كافية ولا تسمح بالانتقال بالبلد من مرحلة التأزُّم إلى التعافي.
وإذ يشدّد المصدر على الإطلالة الخارجية التي يجب أن يتمتع بها رئيس الحكومة، فإنه يؤكد في المقابل أن تمسك بري بالحريري لا يعود لاعتبارات شخصية، وإنما لأنه الأجدر في التوجّه للمجتمع الدولي، وبالتالي فإن رئيس المجلس يفضّل عدم التدخّل وهو ينتظر ليرى ماذا سيحصل بعد أن تقدّم بمبادرة مشغولة جيداً ومكتملة الأوصاف وتستمد روحيتها من المبادرة الفرنسية، لكنها قوبلت برفض ممن يتحصّنون خلفها لتبرير عدم تعاونهم مع الحريري الذي دعمها بلا أي تردد بخلاف عون الذي أوكل إلى باسيل مهمة الإطاحة بها ليعود اليوم إلى استحضارها في حملاته ضد الحريري.