كتبت ايفا ابي حيدر في “الجمهورية”:
أدّى التدهور المتواصل لسعر الصرف وتراجع القدرة الشرائية الى حدودها الدنيا الى تغيّب اللبنانيين عن الاسواق التجارية لشراء الكماليات التي باتت مقصد المغتربين والسيّاح بالدرجة الاولى، بينما يتركّز تواجد اللبناني في محلات السلع الغذائية والسوبرماركت لشراء الضروريات.
بعد الارتفاع الجنوني للدولار مقابل الليرة اعتبارا من ليل الخميس الماضي بعدما قفز من 19600 ليرة الى 24 الفاً، عمد عدد كبير من الأسواق التجارية الى الاقفال في مختلف المناطق بسبب العجز عن التسعير، لأن كل ما يباع في سعر صرف متحرك يعدّ خسارة كبيرة في رأسمال التاجر. فكيف يقيّم التجار حركة الأسواق مع قدوم هذا الكم من المغتربين والسياح الى لبنان؟ وهل يختلف وضع العلامات التجارية عن الوضع التجاري ككل؟
يؤكد رئيس جمعية تجار الاشرفية أنطوان عيد ان لا أجواء حركة عيد لا بل انّ القطاع مضروب وينحصر تركيز التجار اليوم على سبل الصمود. ووصف الحركة التجارية بأنها شبه معدومة، وذكر انّ اللبنانيين المغتربين الذين قصدوا لبنان في الفترة الأخيرة أعطوا القطاع جرعة اوكسجين لكن ليس بالقدر الذي يحتاجه لبنان، ورغم ذلك لا نزال ننتظر ان ترتفع اعداد المغتربين. امّا بالنسبة الى الحركة السياحية فيقول عيد: شهدنا حركة سياح عراقيين كانوا متنفّساً للقطاع، لكن ليس بالقدر الذي نحتاج اليه والذي يمكّننا من الاستمرار.
وعمّا اذا كان المتسوقون هم من الأجانب فقط، يقول عيد: في حركة القطاعات الأساسية مثل السوبرماركت وغيرها يحلّ اللبنانيون المقيمون في المرتبة الأولى. اما في الكماليات من ألبسة وأحذية ومجوهرات… فيحلّ السياح والأجانب في المرتبة الأولى حتى يمكن القول ان حركة اللبنانيين فيها شبه معدومة الا في حال كانت هناك مناسبات معينة مثل الاعراس… وكل هذه الحركة تبقى اقل بكثير مقارنة مع السنوات السابقة، حتى اننا بعيدون كل البعد عن حد ادنى من الحركة التي تمكننا من الصمود والاستمرارية.
ويقارن عيد ما بين الحركة أيام الحرب في الثمانينات واليوم، فوقتذاك كان اللبناني رغم الخناق ورغم القلّة يملك مدّخرات يصرفها ليعيش على عكس اليوم حيث ارتفعت أسعار كل شيء وكأنّ المقصود إفقار للبنانيين. وأسف عيد انه حتى اليوم ورغم قرب مرور سنة على انفجار المرفأ لا يزال التجار بانتظار التعويضات التي ما عادت ذات قيمة، الى جانب غياب تام للدولة بكل أجهزتها.
حالُ قطاع تراخيص الامتياز الفرانشايز لا يختلف عن وضع الأسواق التجارية، فالحركة التجارية في المولات تعاني الضائقة نفسها. وفي السياق، يقول رئيس «الجمعية اللبنانية لتراخيص الامتياز» يحيى قصعة انّ حركة انتقال بعض العلامات التجارية اللبنانية عبر تراخيص الامتياز الى الخارج تحمي القطاع قليلاً. وراى انّ الازمات المتلاحقة التي تمر بها البلاد تفكك هذه العلامات وتضطرها للرحيل عدا عن خسارة الناس لاموالهم وخسارة الطبقة الوسطى.
وعما اذا كان وضع القطاع افضل من وضع الأسواق التجارية، يقول قصعة: من حيث الحركة التجارية وضعنا يتشابه أكان ذلك في «المولات» او في الأسواق التجارية لأنّ العلامات التجارية متواجدة في كليهما. لكن ما يجعل قطاعنا ينبض أكثر من غيره اننا جاهزون وفق نظام الفرانشايز للخروج من لبنان، وهذه الحركة باتجاه الخارج ساعدت كثيرا في صمود بعض العلامات التجارية اللبنانية. ولفت قصعة الى انّ هناك عوامل عدة ساهمت في توسّعنا الى الخارج لا سيما منها تراجع الكلفة التشغيلية (ايجارات ورواتب وموظفين…).
وردا على سؤال، أكد قصعة انّ هناك طلبا كبيرا على العلامات التجارية اللبنانية لا سيما من بعض مناطق افريقيا، مثل نيجيريا ومصر… وفي الخليج لا سيما من الامارات. والملاحظ انه وللأسف انّ عددا كبيرا من أصحاب المطاعم ومصممي الأزياء اغلقوا علاماتهم التجارية في لبنان وانتقلوا الى الخارج، وهذه الخطوة ساهمت بصمودهم حتى الآن فهم يأتون بالاموال من أعمالهم في الخارج لتمكين مؤسساتهم في الداخل، كذلك عمدت بعض المطاعم اللبنانية الى ارسال موظفيها مداورة للعمل في الخارج للحصول على fresh money.
في المقابل، يصف قصعة وضع العلامات التجارية العالمية في لبنان بالكارثي ويتجه نحو الأسوأ. فهناك عدة انسحابات من الأسواق حصلت والحبل على الجرار. فعلى سبيل المثال، احد المقاهي ذات العلامة التجارية الأجنبية كان يبيع القهوة قبل الازمة بـ 10 دولارات اما اليوم فباتت تباع بدولار واحد، وهذا ما يُعدّ خسارة كبيرة له.
وبالتالي، فإنّ امامه خيارين امّا الاقفال نهائيا والانسحاب من السوق اللبناني وامّا رفع أسعاره. وهذه حال كل العلامات التجارية الأجنبية التي ما عاد بإمكانها الصمود، ووجب عليها رفع أسعارها او الانسحاب من السوق اللبنانية.