كتب رمال جوني في “نداء الوطن”:
لا يعبر العيد على المساكين، فكيف اذا كان البلد كله مسكين؟ فلا أجواء عيد، ولا مظاهر فرح، فقط أزمات تخيم على المشهد، حتى العيد سرقوه، لم يبق منه سوى اسم بلا نكهة، وحدها زيارة المقابر تذكّر الناس به، وما عدا ذلك يأتي بحال يرثى لها، مصحوبة بأزمة دواء وعتمة وتقنين مياه وأزمة بنزين، حتى حلو العيد ممنوع أيضاً بعدما لامست دزينة المعمول الـ70 ألف ليرة والحلو العربي الـ30 ألف ليرة.
فكيف تبدو أجواء العيد في قرى النبطية؟ وهل من عيد اصلاً؟
أجواء من القلق بين أبناء النبطية خيّمت على عيد الاضحى، سيما بعد سريان الحديث عن فقدان تام لمادة المازوت، مع ما يرتّبه الامر من إنعكاس على حياتهم ومصالحهم. لم يتأخر تأثير المازوت، فالعتمة الشاملة التي تلف القرى تنذر بأزمة أخطر بعد العيد، وصرخات اصحاب المولدات من عجزهم عن تأمين المازوت من السوق الموازية ترجمت تقنيناً قاسياً في الإشتراك، في مختلف القرى وصلت الى حدود الـ8 ساعات يومياً، وقلقاً كبيراً لدى سكان القرى حول ما ينتظرهم من ازمات بعد عيد الأضحى.
ففي الوقت الذي يفترض أن ينشغل فيه الناس بتحضيرات العيد وإعداد المعمول وشراء الملابس للأولاد، انشغلوا بكيفية تأمين بضعة ليترات من البنزين. فالمحطات بمعظمها أقفلت من جديد، وعادت الطوابير لتطول أكثر، بالرغم من التطمينات الى أن لا أزمة، غير أن الكلام الإعلامي في واد، والأزمة التي عادت لتعصف بحياة الناس في واد آخر، مع زيادة في تقنين التوزيع، إذ اعتمدت أغلبية المحطات نظام الـ40 ألف ليرة أي الـ10 ليترات، هي الكمية التي يحصل عليها المواطن بعد إنتظار أكثر من ساعتين تحت الشمس الحارقة، والسؤال لماذا يسود هذا النظام طالما سعر التنكة ارتفع؟
وِفق المعلومات فإنّ الشركات عادت لتقنّن عملية التوزيع، بحجة شح المادة التي لا تكفي لأكثر من إسبوعين، ناهيك عن تخزينها بإنتظار الرفع النهائي للدعم، بحيث يتوقّع أن تصل بعدها تنكة البنزين الى أكثر من 120 ألف ليرة. وترجّح المعلومات ان تتفاقم الأزمة أكثر بعد العيد، ليس فقط البنزين بل المازوت أيضاً الذي اختفى فجأة من الأسواق، وبات متعذّراً على أحد شراؤه حتى من السوق السوداء. لا ينعكس فقدان المازوت فقط على مولدات الإشتراك بل ايضاً على آبار ضخ المياه في القرى المهدّدة بالتوقف بعد وصول الكميات المتوفرة الى نهايتها، وعدم توفير المازوت من قبل شركة المياه وعجز البلديات عن تأمينه ورفض المحافظ صرف اموال على تأمينه، بحجة أن هذه المسؤولية على عاتق شركة المياه. وبين حابل التجاذبات ونابل المسؤوليات، ترزح القرى تحت وطأة تقنين قاس في المياه وارتفاع في سعر النقلة التي وصلت في بعض القرى الى الـ150 ألف ليرة، وهي ستشتدّ مع أيام العيد، ما يعني أن الدولة قدمت عيديتها للناس ازمات فوق ازمات.
كان طبيعياً ان تنعكس شدّة الأزمات على حركة السوق التجاري الذي واجه شللاً غير مسبوق وتوقّفاً في حركة البيع بعدما تخطت أسعار الألبسة قدرات المواطن، اللهم إلا من يتقاضون بالعملة الصعبة، وبدا لافتاً ضعف حركة الرواد داخله. ووفق فاطمة، الأم لأربعة أولاد، فإنها عجزت عن شراء ثياب لاولادها، فأسعارها نار، توازي معاش زوجها الذي يتقاضى 700 ألف ليرة. سابقاً كانت تعتمد على سوق البالة للشراء، اذ كانت ام الفقراء، غير أنها لحقت بالسوق، وباتت أسعارها لا تقل عن أسعار الجديد، خاصة وأن أصحابها يشترونها وفق سعر الصرف الموازي أو بالدولار الفريش، ما انعكس على الفقراء الذين باتوا عاجزين عن شراء الجديد والمستعمل في العيد وما بعد العيد أيضاً. وعلى حدّ قول فاطمة “رزق الله ع عيد إيام زمان، كان الوضع ع قدّ الحال، غير أن الرخص كان سيداً، اليوم لم يبق من العيد سوى اسم فقط، حتى معايدة الفايسبوك باتت صعبة اذ ينقطع الانترنت مع انقطاع الكهرباء والاشتراك، ما يعني أننا نعيش في عزلة”.
خجول هو عيد الأضحى هذا العام، فالناس ستكتفي بقراءة الفاتحة على المقابر حيث يتجسد العيد فقط، حتى الزهور التي تنتشر على طول المقابر دخلت موجة الغلاء وتخطى سعر الوردة الـ30 ألف ليرة. بإختصار، يعيد الناس اليوم بدمعة وغصة ودعاء ان يصطلح حال البلد، غير أن أحدهم يقول ناطرنا الاسوأ، فالدعم رفع عن كل شيء وبقي كل شيء مفقوداً حتى عيدنا مفقود فمتى يعيدون لنا عيدنا لنعيش بسلام”؟