كما هي حال الطبقة الحاكمة في مقاربتها مجمل الملفات والتحديات، لم تخرج الدعوة إلى الاستشارات عن دائرة المراوحة والتخبط الطاغية على أداء قوى الأكثرية، إلى درجة لم تتردّد معها مصادر السلطة في وصف يوم الاستشارات المرتقب بأنه أشبه بـ”التومبولا”، وما يجري راهناً لا يعدو كونه محاولة “خلط أوراق في صندوق الترشيحات”… بانتظار “سحب” الاثنين!
وعلى هذا الأساس، خلصت أجواء مختلف الكتل الضالعة في المشاورات الحكومية إلى خلاصة وحيدة تؤكد أنّ “الضياع” سيّد الموقف ولا أحد يملك تحديد “بوصلة” مسار التكليف ربطاً بتشرذم المواقف وتضارب المصالح والأجندات، حتى أنّ أوساطاً قيادية في قوى الثامن من آذار أعربت عن قناعتها بأنّ “الأمور لن تنتهي على خير… وحكومة جديدة “ما في” قبل الانتخابات”، موضحةً أنّ “المعادلة واضحة: أي مرشح يطرحه جبران باسيل سيكون “محروقاً” سلفاً عربياً وسنياً، وأي مرشح لا يحظى بغطاء الطائفة السنية لن يسير به الثنائي الشيعي، وعليه فإنّ الأمور مفتوحة على مزيد من التعقيدات في ظل قرار الحريري عدم تغطية أي اسم بديل عنه في سدة الرئاسة الثالثة”.
وفي هذا السياق، جددت أوساط مستقبلية التأكيد على خيار “النأي بالنفس” عن عملية التكليف، مشيرةً إلى أنّ المطروح اليوم على طاولة البحث لا يتخطى حدود النقاش في “المشاركة أو المقاطعة” يوم الاستشارات النيابية، وأوضحت أنّ الحريري بصدد تحديد موقفه بعد التشاور مع رؤساء الحكومات السابقين للخروج معهم بتصور مشترك إزاء كيفية مقاربة عملية التكليف الجديدة.
أما على ضفة “عين التينة”، فلا يزال رئيس مجلس النواب نبيه بري يحافظ على مسافته المتباعدة عن التوجهات العونية، بخلاف ما روّجت له أوساط بعبدا خلال الساعات الأخيرة من أجواء توحي بوجود تنسيق بين رئيس الجمهورية وبري حيال مشاورات التكليف، لا سيما وأنّ أوساطاً مطلعة على أجواء عين التينة رفضت إعطاء أي بُعد لإشارة القصر الجمهوري إلى حصول اتصال بين عون وبري قبل تحديد موعد الاستشارات، واضعةً الاتصال في الخانة “البروتوكولية البحتة” وفق ما درجت عليه العادة الرئاسية قبل كل استشارات نيابية، باعتبار أنّ رئيس المجلس هو المعني الأول في ما ستفضي إليه الاستشارات النيابية الملزمة، ولذلك يقوم رئيس الجمهورية بالاجتماع به وإطلاعه على نتائجها فور انتهائها، قبل دعوة المرشح الحائز على أصوات أكثرية النواب إلى قصر بعبدا لإبلاغه بقرار تكليفه تشكيل الحكومة.
وفي المقابل حرصت أوساط عونية على أن تحفظ “خط الرجعة” لرئيس الجمهورية عن الموعد الذي ضربه لإجراء الاستشارات النيابية الاثنين المقبل، مشيرةً إلى “حق فخامة الرئيس في إرجاء هذا الموعد إذا طلبت منه كتلة نيابية ذلك إفساحاً في المجال أمام إجراء مزيد من المشاورات السياسية بهدف التوصل إلى أرضية توافقية أوسع بين الكتل حيال عملية التكليف”… الأمر الذي دفع بعض المراقبين إلى عدم استبعاد لجوء عون إلى تكرار “السيناريو” نفسه، حين عمد إلى تأجيل الاستشارات بطلب من كتلة “الطاشناق” طمعاً بنجاح محاولة ثني الأكثرية عن تسمية الحريري رئيساً مكلفاً، لافتةً إلى أنّ قرار رئيس الجمهورية في هذا السياق سيكون مرهوناً بما ستفضي إليه المشاورات التي يجريها رئيس “التيار الوطني الحر” مع “حزب الله”… فإذا اقتضت مصلحة باسيل الإبقاء على الاستشارات في موعدها “كان به” وإذا اقتضت التأجيل “كان به” أيضاً.