كتب منير الربيع في “المدن”:
شكّل رئيس الجمهورية ميشال عون حكومته: المجلس الأعلى للدفاع، الذي دعاه إلى اجتماع أُبقيت مقرراته سرية للمرّة الأولى. والأغرب هو ما تضمنه البيان الختامي للاجتماع: متابعة المجلس التطورات الأمنية في البلاد. فيما لم يحضر الاجتماع قادة الأجهزة والمؤسسات الأمنية والعسكرية.
بعبدا 1988
أما رئاسة الجمهورية فأصدرت عقب الاجتماع إياه بياناً حددت فيه موعد إجراء الاستشارات النيابية الملزمة يوم الاثنين المقبل. وبذلك تنجلي الصورة وتتضح الرسالة العونية: رئيس الجمهورية حوّل المجلس الأعلى للدفاع مجلساً وزارياً مصغّراً، يترأسه ويتحكم بمقرراته.
وكأنه يعلن أنه مستمر في إدارة البلد على طريقته وهواه -تماماً كما فعل عندما كان رئيس حكومة عسكرية في قصر بعبدا الرئاسي الخالي من الرئيس- في حال لم يتوافق الآخرون معه على تشكيل حكومة. وبذلك يعزز موقعه وصلاحياته التي يعتبر أن دستور الطائف قد سلبه إياها شخصياً.
إدارة الخراب
ويضع عون خصومه وسواهم أمام خيار من اثنين: إذا لم تُعقد معه تسوية لتشكيل الحكومة التي بريدها، يستمر بإدارة البلاد بمجلس أعلى للدفاع. وهنا لا بد من الإشارة إلى مسألة أخرى: استبعاد قادة الأجهزة الأمنية والعسكرية عن الاجتماع الأخير للمجلس المذكور، خلفياته ودلالاته عديدة. وقد يضعها البعض في سياق عدم موافقة عون على إشراك بعض المسؤولين الأمنيين المدعى عليهم في قضية تفجير المرفأ. لكن آخرين يعتبرون أن عون يفضل استبعاد الجميع، لأنه ليس على وفاق سياسي مع معظمهم، وهناك خلافات بينه وبينهم.
وقد يكون الأهم أنه يصر على أضفاء صبغة غير تقنية على اجتماعات المجلس الأعلى. وإذا أضفنا إليها اجتماعات عون المالية والسياسية والوزارية والإدارية التي يعقدها يومياً مع وزراء ومدراء، وصولاً إلى اتصالاته بموظفين لمتابعة العمل الروتيني، تتشكل لدينا صورة واضحة لإدارته الحصرية لأوضاع البلاد، التي قد لا يرغب أحد سواه في إدارتها.
بالهدوء والتروي
ويبدو أن عون يستعد لمرحلة طويلة على هذا المنوال. فهو عازم على تكثيف اجتماعات المجلس الأعلى للدفاع، الذي أحيطت مقرراته الأخيرة بالسرية وانطوت على قرارات سياسية وإدارية لا علاقة لها بالتطورات الأمنية.
وتكريس هذا النموذج يُبيّتُ إطالة أمد الأزمة الحكومية. وعلى الرغم من تحديد موعد للاستشارات، فقد تتأجل فجأة إلى حين التوافق على تسمية رئيس للحكومة. وفي المعلومات، لم تبدأ المشاورات السياسية إلا على نحو خجول وبين بعض القوى، للوصول إلى توافق على شخصية لتكليفها برئاسة الحكومة.
هناك مثلاً تواصل بين حزب الله وعون، الذي ينصحه الحزب إياه بضرورة الهدوء والتروي، وعدم التصعيد والذهاب إلى خيارات غير محسوبة، قد تؤدي إلى توتر في البيئة السنّية. وهذا ما يمنع حزب الله من الذهاب إلى خيار حكومة اللون الواحد. وينتهز عون فرصة عيد الأضحى لإجراء اتصالات سياسية بجهات داخلية وخارجية، لاستمزاج الآراء حول ما يمكن الوصول إليه من الآن حتى الإثنين المقبل.
عون على حاله
في المقابل يعمل الرئيس نبيه برّي على التواصل مع الرئيس سعد الحريري، بهدف إقناعه التراجع عن موقفه الذي أطلقه في إطلالته الأخيرة وألزم نفسه به: عدم تسميته أي شخصية لرئاسة الحكومة، وعدم توفيره الدعم لها وعدم منح الحكومة الثقة.
يسعى برّي إلى إقناع الحريري بتغيير موقفه. فهناك اتفاق سابق بينهما على أن يسمي الحريري شخصية بديلة في حال اعتذاره، ويوفر لها الدعم. لكن مصادر الحريري ورؤساء الحكومة السابقين تؤكد حتى الآن أن لا شيء تغيّر في موقفهم: لا يريدون تسمية أو تغطية أي شخصية. لكن الاتصالات مستمرة، ولربما تصل إلى توافق.
أما عون فعلى حاله. وهو أوصل رسالة إلى برّي تقول إنه يلتزم بمبادرته، وغير مستعد للتنازل عما توافق عليه مع الحريري، قبل إدخال الحريري لتعديلات على تشكيلته التي سلّمها لعون قبل 24 ساعة من اعتذاره.
يتمسك عون إذاً بالحصول على وزارتي العدل والداخلية، وتظل مشكلة تسمية الوزيرين المسيحيين قائمة. وترجح مصادر أن بورصة التكليف والتأليف قد تكون مشابهة لتموجات مرحلة تكليف الحريري.
ولا تسقط المصادر من حساباتها احتمال تأجيل الاستشارات. ولا حتى احتمال الفشل في تشكيل حكومة، حتى لو حصلت الاستشارات بنجاح، وكلفت شخصية ما لرئاستها.
وعلى الصعيد الدولي، لا يمكن إغفال الحضور الفرنسي القوي على خط الدفع في سبيل الوصول إلى توافق. لكن ذلك لا يبدو مضموناً، إلا إذا حصل توافق فرنسي–أميركي-سعودي ينجح في تحقيق خرق جدّي.