ليست المرة الأولى التي يتحدث فيها الرئيس السوري بشار الأسد عن ودائع للسوريين محتجزة في المصارف اللبنانية مما يحول دون نهوض الاقتصاد السوري. ففي تشرين الثاني من العام 2020 تم تسريب شريط فيديو للأسد خلال جولة له في معرض تجاري في دمشق، قال فيه “إن جوهر المشكلة الاقتصادية، لا يكمن بالحصار الدولي لسوريا وقانون “قيصر” الأميركي، وإنما بسبب الأموال التي أخذها السوريون إلى لبنان وأودعوها في المصارف اللبنانية ثم قامت الأخيرة بحجزها”. كلامه أثار يومها ضجة كبيرة لكن اللافت أكثر كان ادعاءه بأن ودائع السوريين في المصارف اللبنانية تقدر ما بين 20 و42 مليار دولار أميركي، معتبرًا أنّ هذا الرقم غير المحسوم يعدّ مخيفًا في الاقتصاد السوري.
وبعد أدائه اليمين الدستورية لفترة رئاسية رابعة، قالها الأسد من جديد “بعض التقديرات تشير إلى وجود ما بين 40 مليار دولار و60 ملياراً من الأموال السورية المجمدة في لبنان. كلا الرقمين كافٍ لإحباط اقتصاد بحجم اقتصادنا”. فهل يندرج كلام الأسد في إطار الذرائع التي يريد من خلالها تبرير ركود وتراجع الاقتصاد السوري، أم تجاهلا للمشاكل الداخلية التي يعانيها النظام هناك؟.
عضو تكتل الجمهورية القوية النائب وهبي قاطيشه أكد عبر “المركزية” أن “الأسد أراد من كلامه هذا أن يضرب عصفورين بحجر واحد. أولا صب جام حقد آل الأسد التاريخي وحزب البعث على لبنان وإحالة الأزمة على النظام المصرفي في لبنان تهربا من مواجهة الشعب السوري بحقيقة الأزمة المرتبطة بنظامه وبالعقوبات الدولية”.
ولفت إلى ” أن المتمولين السوريين خلال مرحلة الوصاية وحتى قبل اندلاع الحرب في سوريا كانوا يتجنبون وضع أموالهم في المصارف اللبنانية لعلمهم بسهولة وصول أجهزة النظام السوري إلى هذه الودائع ومعرفة حجمها والضغط على أصحابها لذلك فضل هؤلاء الذهاب بودائعهم ومصالحهم إلى دول أخرى مثل مصر والإمارات والأردن وتركيا ودول أوروبية أيضا، علما ان العلاقة بين النظام المصرفي اللبناني ومودعين سوريين هي علاقة قديمة بسبب الهاجس الذي كان موجودا عند هؤلاء من تأميم هذه الأموال والممتلكات، أضف إلى أن قدامى المودعين اصبحوا حاملين للجنسية اللبنانية.
واستطرادا سأل قاطيشه:” هل كانت سوريا يوما سويسرا الشرق وتحولت إلى دولة فقيرة بفعل الحرب والأزمات؟ ولماذا يفضّل رجال الأعمال وكبار المتمولين السوريين إيداع أموالهم أو “تهريبها” إلى لبنان؟ وهل سمعنا عن استثمارات لرجال أعمال سوريين في لبنان؟”.
قد لا تكون اتهامات الأسد جديدة على لبنان الذي عانى ما عاناه من نظامه خلال فترة الإحتلال لكن ألم يكن من الأجدى أن يعلن عن خارطة طريق لعودة النازحين السوريين من لبنان الى ديارهم، بعدما ساهموا في تكبيد لبنان خسائر بالمليارات وفق تقارير اقتصادية لمنظمات دولية؟. يقول قاطيشه” كلنا يعلم بأن النازحين جاؤوا هربا من نظام الأسد ونظامه ولو كان يريد إعادة إعمار سوريا لطلب منهم العودة للمساهمة في عملية إعادة إعمار سوريا بدلا من اعتقال كل مواطن سوري كان في صفوف المعارضة وتهديده بأفراد عائلته”. أضاف” لبنان لم يعد قادرا على تحمل الأعباء المالية التي تصرف بطريقة مباشرة وغير مباشرة على النازحين. وإذا سلمنا أن هناك مساعدات دولية تصلهم من منظمات تابعة للأمم المتحدة إلا أن التكاليف غير المباشرة من ماء وكهرباء وبنى تحتية يدفعها اللبنانيون من جيوبهم التي باتت فارغة”.
ثمة حلول طرحها تكتل الجمهورية القوية عبر اقتراحات وضع مخيمات خاصة لكل النازحين على الحدود اللبنانية السورية كما هو حاصل في تركيا والأردن لكن حتى هذا الإقتراح لم يلق جوابا، ولم يجرؤ السفير السوري في لبنان علي عبد الكريم على زيارة أي من مخيمات النازحين. والسبب؟
يجيب قاطيشه:” في الظاهر لا يجرؤ السفير السوري على دخول أراضي مخيمات النازحين السوريين خوفا من ردات فعلهم، لكن المضمون يحمل في طياته رسائل خطيرة أهمها وجود نية في تغيير هوية لبنان وتحول وجودهم إلى أمر واقع . وعلى المدى البعيد قد تحل الشعوب البديلة مكان الأصلية في ظل الأوضاع الإقتصادية والإجتماعية التي تمر بها البلاد وعدم إمكانية النهوض إلا بعد أعوام”.
وتمنى قاطيشه أن تأخذ الدولة على عاتقها مسؤولية مصير النازحين السوريين في لبنان وفي حال استحالة تجميعهم في مخيمات على الحدود تتولى الأمم المتحدة مسؤولية إعالتهم. وإلا نكون أمام أزمة سيادة قد توصلنا إلى مرحلة تحلل لبنان إلى دويلات”.