IMLebanon

السلطة تمارس الضغوط على “المركزي” لهدر ما تبقى من أموال المودعين

كتبت رنى سعرتي في “الجمهورية”: 

في عزّ الأزمات وفي عزّ الكارثة الصحية والموسم السياحي، جاء انقطاع مادة المازوت ليقضي على آخر حجر كان يسند ما تبقّى من مقوّمات بعض القطاعات الانتاجية والصحية والاقتصادية. والقطاعات المهدّدة بالسقوط التام تستنجد اليوم فتح الاعتمادات لاستيراد المازوت. اما السلطة التي لا تقوى سوى على ممارسة الضغوطات في اوقات الانهيار لحثّ مصرف لبنان على هدر ما تبقى من اموال المودعين، فلم تبادر لغاية اليوم الى تنفيذ الحلول البديلة وتحرير الاسعار.

مع نضوب احتياطي الدولار لدى مصرف لبنان وتأخره في فتح اعتمادات للاستيراد، حلّت الكارثة الكبرى وفُقدت أكثر المواد حيوية من البلاد، وهي الفيول والمازوت، مما أدى الى انعدام قدرة مؤسسة كهرباء لبنان على توفير التغذية، وبالتالي رفع ساعات التقنين لتتجاوز 22 ساعة يومياً، في مقابل تراجع قدرة المولدات الخاصة على تأمين المازوت اللازم لتغطية ساعات انقطاع الكهرباء، ما اضطرها بدورها الى التقنين وصولاً الى توقف بعضها بشكل كامل عن العمل.

قد يستبدل المواطن الكهرباء والمولدات بالشموع، في حال استطاع تحمّل كلفتها، إلا ان القطاع الصحي، وهو الضحية الاكبر من أزمة فقدان المازوت، حذّر امس الاول من اقفال عدد من المستشفيات بسبب نفاد المادة، ما يضع حياة المرضى عرضة لخطر الموت في أي ساعة، وينذر بكارثة صحية في وقت تشهد البلاد موجة تفش جديدة لفيروس كورونا.

في موازاة ذلك، يتعرض أكثر من 4 ملايين شخص في لبنان لخطر فقدان إمكانية الحصول على المياه الصالحة للشرب نتيجة انهيار شبكة إمدادات المياه العامة في لبنان خلال شهر، جراء الإنهيار الاقتصادي المستمر وما يترتب عليه من انقطاع للكهرباء وشحّ في المحروقات.

وقد ذكرت ممثلة منظمة الأمم المتحدة للطفولة في لبنان يوكي موكو «ان قطاع المياه يتعرض للخراب والدمار بسبب الأزمة الاقتصادية الحالية». وعدّدت المنظمة أسباب عدّة بينها العجز عن دفع كلفة الصيانة بالدولار وانهيار شبكة الكهرباء و»مخاطر ارتفاع كلفة المحروقات».

وتوقّعت أن تتوقف معظم محطات ضخّ المياه عن العمل «تدريجياً في مختلف أنحاء البلاد في غضون أربعة الى ستة أسابيع مقبلة».

وفي حال انهيار شبكة الإمدادات العامة، قدّرت المنظمة أن ترتفع كلفة حصول الأسَر على المياه بنسبة 200 في المئة شهرياً، كونها ستضطر للجوء إلى شركات خاصة لشراء المياه.

بالاضافة الى الامن الصحي، فإنّ الامن الغذائي مهدد أيضا، حيث حذر اتحاد المخابز والافران من ازمة رغيف على الابواب اعتبارا من الاسبوع المقبل بسبب فقدان مادة المازوت حيث ستضطر بعض الافران والمخابز للتوقف بعد نفاد الاحتياط المتوفر لديها من هذه المادة. كما حذرت نقابة اصحاب السوبرماركت في لبنان، في بيان امس، من «انقطاع مادة المازوت وعدم قدرة هذا القطاع الحيوي من الحصول عليها، لما لذلك من تأثير سلبي على سلامة المواد الغذائية التي تحتاج الى تبريد»، لافتة الى أنّ «الكثير من المواد الغذائية الموجودة في السوبرماركت بحاجة الى برادات وأخرى الى درجات حرارة منخفضة نسبياً، لذلك فإنّ إنقطاع كهرباء الدولة وتوقف مولدات السوبرماركت عن العمل بسبب عدم وجود مادة المازوت سيؤدي حتما الى الإضرار بسلامة المواد الغذائية».

اما القطاع السياحي الذي يعوّل عليه لاستقطاب «دولارات» المغتربين وزيادة عرض العملة الصعبة في السوق، فقد اعلن امس «حال الطوارئ السياحية، في ظل فقدان مادة المازوت حتى في السوق السوداء، محذّراً من إقفال المؤسسات السياحية أبوابها خلال الـ 48 ساعة الآتية».

وقال نقيب أصحاب المطاعم والمقاهي والملاهي والباتيسري في لبنان طوني الرامي «إنّ الكهرباء والمولدات هما حاجتان أساسيتان للمؤسسات المطعمية للمحافظة على المواد الأولية وسلامة الغذاء وللتحضير لوجبات الغداء والعشاء. وإذا اضطر الأمر سيلجأ أصحاب المؤسسات المطعمية إلى الاعتماد على واحدة من الوجبتين إما الغداء أو العشاء، ما سيؤدي حتماً إلى كارثة».

بالاضافة الى ذلك، يجد القطاع الصناعي الذي يحاول الاستفادة من تراجع سعر الصرف من اجل زيادة تنافسيته في الخارج ورفع صادرته، نفسه امام عراقيل عدّة تعمد الى تدميره، أبرزها اليوم، نفاد مادة المازوت، ما أدّى الى تقليص ساعات العمل وخفض حجم الانتاج، في وقت تحتاج السوق المحلية والسوق الخارجية الى رفع وتيرة الانتاج وتكثيفها لتلبية الطلب المتزايد.

مصرف لبنان

كلّ تلك المصائب بحاجة الى «شَطبة» قلم من مصرف لبنان يوقّع فيها فتح الاعتمادات للاستيراد. إلا ان شطبة القلم هذه، ستشطب معها جزءاً مما تبقى أو وُجد من اموال المودعين. وكلّ شطبة قلم من قبل البنك المركزي للاستيراد المدعوم او غير المدعوم، تعني زيادة الفجوة المالية في القطاع المصرفي، وزيادة الخسائر التي ستتحمّلها المصارف، أي ارتفاع نسبة الاقتطاع من اموال المودعين عندما تتم عملية الاصلاح واعادة هيكلة القطاع.

وقد أوضحت مصادر في مصرف لبنان لـ»الجمهورية» ان المجلس المركزي في البنك المركزي لن يقبل بفتح المزيد من الاعتمادات للاستيراد المدعوم، ويرفض رفضاً قاطعاً المسّ بالتوظيفات الالزامية «وسبق ان شرحنا للحكومة وللقوى السياسية موقفنا بوضوح، واكدنا ان الحلّ هو بتحرير الاسعار، ما يؤدي الى توفر مادة المازوت وغيرها في السوق».

وسأل: هل يُعقل ان ندعم المازوت على سعر صرف الـ1500 ليرة للفنادق وغيرها من القطاعات السياحية التي تستوفي قيمة خدماتها بالدولار من السياح والمغتربين؟ هل انّ هدف مصرف لبنان تحقيق الارباح للقطاع السياحي؟

وقالت المصادر: إنّ تحرير الاسعار يؤدي الى توفر كافة المواد في السوق ولكن بأسعار مرتفعة. وهنا تكمن واجبات الحكومة في مساعدة الفقراء والاكثر حاجة. لقد قام مصرف لبنان بواجباته تجاه الميسورين عبر التعميم 158 الذي يوفر لهم 400 دولار شهرياً لتحمّل اعباء رفع الدعم.

وختمت: يتم التصويب على مصرف لبنان من اجل فتح الاعتمادات ويتم التصويب عليه من اجل حماية التوظيفات الالزامية. فليتفقوا بأيّ نقطة تحديداً يريدون محاربتنا؟