كتب عمار نعمة في “اللواء”:
بدأ العد العكسي الفعلي بالنسبة الى مجموعات الحراك المدني تضامنا مع اهالي ضحايا تفجير المرفأ لإحياء ذكرى الجريمة التي تصادف ذكراها السنوية بعد أيام في الرابع من آب المقبل.
ولعل السلطة ساهمت دوما منذ 17 تشرين الاول 2019 في اعادة إشعال الانتفاضة الشعبية كلما كاد زخمها الشعبي يفقد بريقه الأمر الذي اقتنصته مجموعات الحراك لاغتنام خطايا السلطة المتكررة. وليست العريضة النيابية التي وقعها عدد من نواب قوى الحكم سوى المثال الساطع على ذلك، والتي جاءت بعد ايام على تقرير المحقق في الجريمة القاضي طارق البيطار وخاصة مطلبه رفع الحصانات عن نواب وأمنيين.
تطالب العريضة التي خرجت فجأة الى العلن بنقل محاكمة النواب والوزراء المتهمين بقضية انفجار المرفأ من القضاء العدلي الى المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء الذي نادرا ما يتذكر اللبنانيون أمره او يعلمون به أصلاً. وقد رأى اهالي الضحايا ومجموعات الحراك في تلك العريضة الدليل الساطع على نية السلطة تمييع محاسبة المرتكبين أو المتورطين أو المقصرين في الجريمة.
ويُذكِّر خبراء قانونيون في الحراك بأن المجلس الاعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء مؤلف من ثمانية قضاة يوافق عليهم مجلس القضاء الاعلى الذي تغلب عليه السياسة والغائب عن التشكيل اليوم، وسبعة نواب ينتخبهم المجلس النيابي. والمجلس الاعلى يصدر احكامه بغالبية عشرة نواب أي ما يعني انه قد يصدر احكامه بموافقة كل القضاة ونائبين، وهؤلاء النواب سيمثّلون حكما القوى السياسية التي لن تطالب بمحاكمة نوابها وهو ما يشبه واقع القضاة في المجلس الذين من الطبيعي ان يكونوا من بيئة بعض القوى السياسية.
ويسأل الكثير من الخبراء القانونيين: لماذا أنشأنا المجلس العدلي اذا كنا في كل مرة سنحول اختصاص محاكمة قاض أو وزير او رجل دين مثلا الى محكمة الرؤساء؟ ولماذا يقوم المجلس العدلي اذا وهو محكمة خاصة؟ ولماذا علينا ان نحول كل صاحب صفة الى محكمة خاصة به؟!
من هنا تقوم المخاوف من مجلس محاكمة الرؤساء والوزراء كون ادانة القوى السياسية ستغيب عن المجلس، ناهيك عن انه مجلس غير معروف المبنى حيث تجري محاكماته ولا قلم عدلي له ولا كتبة ولا مباشرين، فضلا عن انه غير مرتبط بضابطة عدلية.. وغيرها من الثغرات. وبذلك بات الهدف واضحا، حسب هؤلاء، للعريضة النيابية وهو التشويش على عمل المحقق العدلي البيطار وإفلات النواب من العقاب عبر مجلس وهمي غير قائم لإقامة تحقيق مواز للتحقيق العدلي وصولا الى تعطيل عملي لعملية رفع الحصانات.
في هذه الأثناء، تتوالي الانسحابات من موقعين على العريضة ولم يكن هذا الامر ليحصل لولا الحملة الكبرى التي قامت ضدهم على وسائل التواصل الاجتماعي وفي الاعلام بعد كشف الهدف السياسي غير الموارب للعريضة، علما ان الانسحاب الحقيقي يجب تسجيله رسميا في المجلس النيابي من قبل المنسحبين.
وبذلك لم تفعل تلك العريضة التي كانت على شكل اتهام لكنها في الواقع هروب الى الامام، في فشل مهمتها فحسب، بل وجهت دفعا كبيرا لقضية اهالي ضحايا تفجير المرفأ ومعهم مجموعات وشخصيات الحراك والمجتمع المدني للمضي في تحضيراتهم للذكرى الحزينة مستلهمين من انجازات حققتها المجموعات على مدار نحو عامين لم تخل من إخفاقات، على أن التنصل من العريضة النيابية وقبله الانتصار في نقابة المهندسين، لم يشكلا سوى العناوين الأخيرة لنضال طويل بين قوى التغيير ومنظومة الحكم الجاثمة على قلوب اللبنانيين منذ عشرات السنوات حتى اللحظة.
والتحضيرات قائمة على قدم وساق، بحزن لكن بتصميم، لإحياء متنوع للذكرى سيكون اكثرها بروزاً التجمع الذي سيقوم قرب تمثال المغترب على مقربة جغرافية من ساحة المأساة.