كتب عماد موسى في نداء الوطن:
خبر صاعق. جبور الدويهي غادر دنياه باكراً. كان يخطط لكتابة ونشر رواية كل سنتين كما قال لـ”نداء الوطن” قبل عامين تقريباً في مقابلة حول روايته “ملك الهند” الطازجة الصدور يومئذ. غادر الدويهي قبل أن نحتفي بـ”سمّ في الهواء”، روايته الأخيرة. أي هواء بعث لمحبيه بورقة نعي معطرة برذاذ مطر تموزي.
سريعاً هوى ذاك الزغرتاوي البالغ من العمر 72 عاماً الوافد من عوالم الفرانكوفونية والنقد إلى عالم الرواية العربية قبل ثلاثة عقود. أقعده المرض. أحنى هامته. هزمه. فتك به، وكسر انتظار قرائه وأحبائه له. مات بين أهله. والمفارقة أن الدويهي دشّن حياته الأدبية في العام 1990 بـ”الموت بين الأهل نعاس”.
إقترنت زغرتا ومصيفها الأهدني بطفولته ومراهقته، وارتبطت طرابلس بشبابه وسني دراسته، وأغنت بيروت وعيه السياسي العلماني. وفي كلية التربية تخصص باللغة الفرنسية، ثم أنضجته باريس فكرياً وأكاديمياً وفيها حصل على دكتوراه في الأدب المقارن من السوربون. تنقل الدويهي بين مدن وقرى وعواصم وأزقة وأحياء عرف تفاصيلها وعاداتها وقصصها وناسها. فبرج الهوا هي مزيارة في “مطر حزيران”، و”تل صفرا” هي أي قرية في جبل العيش والصدام الدرزي الماروني في “ملك الهند”، و”حي الأميركان” و”شريد المنازل” مسرحهما طرابلس وبيروت. تحرك الدويهي بأصوات رواته في أمكنة أكلت شيئاً من حذائه وسكنت حيزاً من ذاكرته.
جبور الدويهي من أسياد البناء الروائي، ومن طليعيي أبناء جيله. روى حياتنا اللبنانية، نحن أبناء الحرب والتناقض. جسّد خيبتنا وصمتنا وهجرتنا بلغة غير متكلّفة. نضرة. حيوية. متفرّدة. تصويرية حيناً. سردية أحياناً. مشوّقة دائماً. فازت رواية “اعتدال الخريف” بجائزة أفضل عمل مترجم عن جامعة أركنساس. وفازت “حي الأميركان” بجائزة سعيد عقل 2015، و”شريد المنازل” فازت بجائزة الأدب العربي 2013 ، كما رُشحت أربع من رواياته لجائزة بوكر العربية. لا الجوائز والترشيحات أضافت الكثير إلى ألقه، ولا الشهرة عنت له الكثير. ما كان يفرحه في الواقع انتشار روايته في العالم، وقد تُرجمت إلى الفرنسية والإنكليزية والإيطالية والإسبانية وإلى لغات ما مرّت كلماتها يوماً تحت ناظريه.
في الثالث والعشرين من تموز من العام 2021 غاب الرجل الودود، الطيّب، الثائر، المثابر، المضيء. وضع قبعته على رأسه كممثل في فيلم بوليسي، ومضى حيث لا مطر ولا هواء ولا سموم.