كتب علي الأمين في نداء الوطن:
يتحوّل نجيب ميقاتي مع فريق الممانعة بقيادة “حزب الله” الى رئيس حكومة “الغفلة والصدفة”، يخرجونه من “الخزانة السنّية”، ينفضون عنه “غبار المعارضة”، يرشّون رذاذ النسيان والغفران على ذاكرتهم، يلمّعون صورته، ويطلقونه كمشروع رئيس حكومة مكلّف، أيضاً بتصفية حسابات سياسية مع حليفه وغريمه اللدود سعد الحريري، بعد نحو عقد من الزمن على “ناقصة سياسية” إرتكبها بحقّه وبحقّ البلد.
لم يكن اختيار ميقاتي في الحكومتين اللتين كلّف بتشكيلهما، الا الحل الانقاذي لفريق الممانعة، سواء في حكومة عام 2005 او في حكومة 2011، هو الاحتياط الاستراتيجي لفريق الممانعة، بفرعيه السوري والايراني، هو صديق قديم للرئيس بشار الأسد، حقّق ثروة مالية ضخمة منذ بدأ مشروع “تلفون ميقاتي” بعد العام 1990، وكان بطبيعة الحال قريباً من النظام السوري، وشريكاً يمكن ادراك اهمية هذه الشراكة، منذ ان كان احد الفائزين لاحقاً، بمشروع الهاتف الخلوي في منتصف التسعينات، والفوز هنا لا يعني فوز بين متنافسين في السوق، بل متنافسين على ثقة النظام السوري الذي لا يخفي، على أقلّ تقدير، فضل نظام الأسد على دخوله عالم الاثرياء الكبار، انطلاقاً من لبنان ومن سوريا لاحقاً. الرئيس ميقاتي وشقيقه طه، يعرفان هذا الفضل ويقدّرانه، اسوة بصديقه وحليفه الدائم سليمان فرنجية، فهما مع آخرين، كانا اوفياء لعائلة الاسد، ويستمران طالما نظام الاسد باق، فالعلاقة بينهما ليست مواقف عروبية وقومية متبادلة فحسب، بل مصالح تجارية ومالية واسعة، طالما كان ولا يزال منجمها لبنان في الارض والفضاء وما بينهما.
لذا كان اختياره رئيساً للحكومة محلّ ترحيب الممانعة في 2005، وكان غبّ الطلب في العام 2011، بعدما استقالت حكومة الرئيس سعد الحريري، لحظة دخوله البيت الابيض للقاء باراك اوباما، في موقف تقصّد فيه “حزب الله” وحليفه النائب ميشال عون آنذاك إهانة الحريري، ولم يكتف امين عام “حزب الله” بذلك، بل بدأ في خطاباته يقيّم المرشحين المفترضين لرئاسة الحكومة، بطريقة أزعجت الكثيرين منهم، ولا سيما الراحل عمر كرامي، الذي أثاره وأزعجه ما بدا من تهكّم في كلام نصرالله حياله. الفارس القادم على أشلاء حكومة الحريري الابن، كان الميقاتي مجدّداً في 2011، حكومة الانقلاب على الحريري، والتأسيس لمرحلة انقلاب الاقلية النيابية على الاكثرية، رجل المال والمصالح المتشابكة مع الممانعة، كان على قدر الطموح، وجده “حزب الله” انه الأفضل والأنسب، وبقي كذلك بالرغم مما قيل عن ان ميقاتي كان مخيباً للممانعة، لكن مسار الاحداث، لم يظهر اي نفور او استياء جدّي من قبل “حزب الله”، بل بقي ميقاتي بالرغم مما يقال عن انه ليس كريماً، بقي كرمه المالي متدفّقاً حصراً، تجاه مؤسسات اعلامية وسياسية في حلف الممانعة، في رسالة ودّ لم تتوقف، حتى في احلك الظروف السياسية، خلال السنوات التي تلت خروجه من الحكومة، وتولي الرئيس تمام سلام الرئاسة، وخروجه لم يكن الّا لأنّ “حزب الله” وعون ارادا استمالة الحريري، طمعاً في انتخابه عون للرئاسة لاحقاً، وهذا ما حصل.
يدخل ميقاتي على الأرجح حلبة رئاسة الحكومة مجدّداً، بعقلية التاجر، والتاجر هنا بعقلية ميقاتي، وعلى ركام الحريري مجدّداً، يدخل النجيب بحثاً عن صفقة، هو يدرك بخبرته وحسّه التجاري، ان ثقة الممانعين لا تكفي، ولا بدّ من احتضان غربي وعربي ولو نسبي، سمّاه “حزب الله” وهذا لا يخفى على المتابعين، وإن حاول الحزب الايحاء بأن ميقاتي هو اختيار الحريري الذي لم يعد لديه من “العزم” ان يقبل او يرفض هدايا الحزب المسمومة.
يدخل ميقاتي الحلبة بشروط “حزب الله”، وبما يتلاءم مع “المسيرة الميقاتية”، الدفاع عن صلاحيات رئيس الحكومة السنّي، في مواجهة تغوّل رئيس الجمهورية الماروني، اما “حزب الله” فهو خارج الصدام او التنافس، يشكّل مع الرئيس نبيه بري “شيخي صلح” لا اكثر ولا اقل، وبالتالي فإن هذا الطريق الذي رسمه “حزب الله” لميقاتي، وبدأ سلوكه، يشي بأن الحكومة لن تتشكل اذا سمي ميقاتي رئيساً، وهي طريق لن توصل الى اي حكومة، لكنها توفر فصلاً جديداً من شراء الوقت لمنظومة السلطة، وفرصة لاستهلاك ما تبقّى من الاحتياطي الالزامي في مصرف لبنان، واضاعة الوقت الثمين للبنانيين، لوقف التدهور وانقاذ الضحية قبل موتها والبلد قبل تلاشيه. خيار ميقاتي دائماً ما يحضر على الاشلاء لا ليلملمها، بل تحضيراً لضحية جديدة.. هذه المرة يبدو لبنان مرشّحاً لها بقوة.