كتبت كلير شكر في نداء الوطن:
هل هي آخر معارك عهد الرئيس ميشال عون؟ اذا “نقشت” مع نجيب ميقاتي وصار رئيساً مكلّفاً، فالأرجح أنّها آخر المعارك الخاسرة.
خلال الساعات الثماني والأربعين الماضية، لم يهضم العونيون أخبار الماكينة الاعلامية التي كانت تروّج لسيناريو تسمية القطب الطرابلسي رئيساً للحكومة. اعتقدوا أنّ في الأمر مبالغة ما. انتظروا إشارات سلبية تأتيهم من الضاحية الجنوبية لتكذّب الغطّاسين المتحمّسين لخيار ميقاتي، فلم تأتهم إلّا التعليقات الرمادية، لا هي ايجابية ولا سلبية، ما يعني أنّ الاحتمال المطروح مفتوح على النقاش الجدي، إلى أنّ تبيّن لهم أنّ الرجل بات على أعتاب تسميته خلفاً لسعد الحريري.
ولعل أسباب تلك الصدمة التي تصيبهم، تأتي من كونهم غالوا في توقعاتهم لمرحلة ما بعد رئيس “تيار المستقبل”، الذي لم يوفّروا حجراً إلا واستخدموه لرجم تكليفه، تحت عنوان أنّه مرفوض سعودياً وهو عاجز عن التأليف. في بال، رئيس “التيار” جبران باسيل أنّ ما بعد الحريري، سيكون نموذجاً شبيهاً لمصطفى أديب، سيكون من السهولة تدجينه بالشروط المسبقة واللاحقة لتكون سمة آخر حكومات عهد ميشال عون، الليونة، لا بل لتكون طيّعة بين يديّ باسيل، فتعوّض ما عجزت حكومات العهد الثلاث عن القيام به.
واذ بالمفاجآة تحلّ سريعاً على رؤوس العونيين: ميقاتي هو الأوفر حظاً لرئاسة الحكومة. أبدت باريس أمام أصدقائها حماسة لافتة لترئيس النائب الطرابلسي مدعومة بلاممانعة سعودية وقبول أميركي، وتفاهم مسبق مع سعد الحريري، في مبادرة يقودها بطبيعة الحال رئيس مجلس النواب نبيه بري. لكن أزمة الرجل في مكان آخر. يكاد يكون مكروهاً من الفريق العوني لألف سبب وسبب، ولعل أهمها أنّه متمّرس في فنّ المزايدة المذهبية، ولا يمكن “ضبط” سلوكه بأي ضمانات استباقية، فضلاً عن كونه لا يتمتع بمواصفات ترويجه لدى القاعدة الشعبية بسبب ارتباط اسمه بملفات قضائية وهو شريك المنظومة السياسية التي يدّعي “التيار” خصومته لها.
فعلاً، لا يملك العونيون إجابة شاملة وواضحة عن الأسباب التي جعلت من ميقاتي مرشّحاً جدياً لخلافة الحريري، وما الذي قد يدفع بـ”حزب الله” إلى تغليب هذا الاحتمال على غيره من الاحتمالات خصوصاً تلك التي يطرحها جبران باسيل. ولكن الأكيد، أنّ سرعة تلقف ترشيح ميقاتي بدا كخطوة دفاعية للتصدي لسيناريو تسمية رئيس حكومة “صناعة جبرانية”.
قبل ساعات من اجتماع الهيئة السياسية لـ”التيار” كان الاتجاه واضحاً لدى نواب “تكتل لبنان القوي” بعدم التصويت لنجيب ميقاتي. احتمال ساقط على الأكيد، ولكن ما هو البديل؟ كانت الخيارات مطروحة بين تسمية نواف سلام أو… الورقة البيضاء. وكلا الموقفين هو تعبير هذا الفريق عن رفضه لسيناريو دخول القطب الطرابلسي إلى السراي الحكومي. لا يهمّ كيف يصوت “التيار” أو لمن سيصوت يوم الاثنين في الاستشارات النيابية الملزمة. المهم أن يقول “لا” عالية بوجه نجيب ميقاتي، وكل من قرر تبني هذا الترشيح.
اذاً، أول دخول ميقاتي نادي رؤساء الحكومات من جديد، شمعة اعتراض على طوله من جانب جبران باسيل، على قاعدة أنّ شروط التأليف التي تليت على مسامع الحريري، ستتكرر على من سيأتي بعده، وتحديداً ميقاتي، وبالتالي لا امكانية للتراجع عن أي مطلب من جانب رئيس الجمهورية، كما يقول أحد نواب “تكتل لبنان القوي”.
وهذا ما يقود إلى رسم احتمالين في حال تمّت تسمية ميقاتي رئيساً للحكومة مع العلم أنّ بعض المطلعين على موقفه يؤكدون أنّه ليس في وارد نسخ تجربة الحريري في التكليف المستحيل، لذلك يطالب بالضمانات التي تسهل عملية التأليف كشرط لقبول التكليف. أما الاحتمالان فهما: إمّا يتقدم ميقاتي خطوة للأمام ليلاقي مطالب الفريق العوني فيكون الأخير شريكاً في التأليف، وإما يذهب رئيس الحكومة المكلّف إلى أصعب الخيارات، وهي حكومة فاقدة للدسم المسيحي فيكتفي بميثاقية رئيس الجمهورية للمضي في حكومته فيما يتوجّه “التيار الوطني الحرّ” سريعاً نحو خندق المعارضة.
وفي هذه الحالة، يفكّر رئيس “التيار الوطني الحر” في اعتماد التصعيد مباشرة ليكسب الوقت قبيل الانخراط في مستنقع الانتخابات النيابية، من خلال تقديم نوابه استقالة جماعية من مجلس النواب ليطلق حملته الانتخابية من على صهوة معارضة آخر حكومات عهد ميشال عون!
حتى الساعة لا يزال نجيب ميقاتي خارج البلاد فيما يتولى شقيقه طه عملية التواصل والتفاوض. يريد النائب الطرابلسي سلّة ضمانات ومعها سلّة مطالب، أن يترشح للانتخابات النيابية وأن يكون رئيس حكومة الانتخابات وتلك التي ستلي الانتخابات، وأن لا يكرر تجربة الحريري في تعريته من أصوات الكتلتين المسيحيتين الأكبر، أي التيار و”القوات” والأخيرة حسمت موقفها بالتصويت السلبي. ويتكل في كل هذه التحديات على الجانب الفرنسي لممارسة أقصى الضغوط على “التيار” للانضمام إلى قافلة المقترعين لاسمه، قبيل حلول موعد يوم الاثنين.
ولذا يمكن القول إنّ ميقاتي سيكون يوم الاثنين مكلفاً، والأرجح أنّ الاستشارات لن تتأجل. ولكن هل يتراجع عن رأيه في حال لم تنفع الضغوط الفرنسية؟ كل الاحتمالات واردة، مع العلم أنّ شروط التأليف ثابتة بمعزل عن هوية رئيس الحكومة، كونها مطلوبة دولياً لا محلياً، وبالتالي إنّ معركة “التيار” خاسرة في كلّ الأحوال. ومع العلم أيضاً أنّ الانهيار وقع وسيكون من الصعب جداً على العهد تحمّل تبعات عرقلة قيام الحكومة، أي حكومة.