كتب أنطوان الأسمر في “اللواء”:
تتحضّر باريس لـ4 آب بالزخم نفسه الذي تتحضّر له بيروت، وإن تختلف المقاربات بتنوّع الأدوار والغايات والمنتهى.
كان المقرر أن يلتئم المؤتمر الدولي في 20 تموز، والذي أراده الإليزيه «من أجل تلبية احتياجات الشعب اللبناني، والذي يتدهور وضعه يوميا (…) بمبادرة من رئيس الجمهورية وبدعم من الأمم المتحدة»، كما جاء في الإعلان الرسمي الفرنسي. لكن المستشار الرئاسي باتريك دوريل حمل في زيارته الأخيرة الى بيروت «بشرى» نقل انعقاده الى 4 آب «لإتاحة الفرصة أمام تشكيل حكومة تواكبه، ويكون لبنان بذلك قادرا على الحضور الى باريس بقيادة حكومية جديدة، فيتحوّل الدعم الدولي من إغاثي الى اللبنانيين الى مالي الى خزينة الدولة». هو بذلك أراد تبديد أي تلبّك أو إرتياب لبناني رسمي يسببه تزامن المؤتمر الدولي مع الذكرى الأولى لتفجير مرفأ بيروت. لكن أيا من المسؤولين اللبنانيين لم يهضم التبرير الرئاسي الفرنسي. هؤلاء خلصوا الى أن باريس تحضّر أمرا ما كبيرا في الذكرى، لن يقتصر فقط على الإغاثي – المالي منه.
1- في الشكل، جاءت الدعوة الفرنسية الى المؤتمر في مناسبة وطنية. فالفرنسيون يحيون كل عام منذ 4 آب 1789 إقرار قانون قمع الامتيازات الإقطاعية، ما إعتُبر ضروريا ولازما لتثبيت الثورة وامتصاص نقمة الفرنسيين. يومها، أقرّت الجمعية التأسيسية الوطنية الفرنسية هذا القانون، في حدث عُدّ عظيما للثورة الفرنسية بوضعها حدا للنظام الإقطاعي. إستمر الاجتماع من السادسة مساء إلى الثانية فجرا، ونتج منه إلغاء كل الحقوق والامتيازات الإقطاعية وكل امتيازات الطبقات والمحافظات والمدن والشركات وإعلان المساواة التامة في الحصول على الوظائف العامة بين جميع المواطنين، بناء على مبادرة من نادي بريتون Le Club Breton، المسمى لاحقا نادي اليعاقبة Le club des Jacobins.
وتمثلت الحقوق الإقطاعية بضريبة العشر الكنسية والعدالة الإقطاعية ونظام السخرة. وإلغاؤها عَنى انهيار النظام الملكي وتدشين مجتمع فرنسي جديد، بثلاثيته الشهيرة: حرية، مساواة، أخوة.
اكتشاف فرنسي لخطأ الرهان على الإصلاح بتوليد جديد من قديم
إذا، قرر الإليزيه عقد مؤتمر إغاثة لبنان في توقيت مفارقتيّ: الذكرى الأولى لتفجير المرفأ، والذكرى الـ232 لإلغاء الامتيازات الإقطاعية وانبثاق النظام الفرنسي السياسي – المجتمعي الجديد.
2- في المضمون، راكم الإليزيه قناعة تلو الأخرى بأن النظام اللبناني على ما هو عليه من ثغرات دستورية وإستحالات سياسية وتناقضات انتظامية ونتوءات مجتمعية، لم يعد قابلا للاستمرار. وتاليا، لا بد من خطوات تحديثية وتطويرية تقودها طبقة سياسية جديدة تحظى بدعم دولي يتيح لها تحقيق اختراقات جوهرية لن تهضهما بسهولة ويسر الدولة العميقة القائمة على ثنائي تحالف مافيا الميليشيا والفساد الحي بجسارة ووقاحة منذ العام 1990. وليس أفضل من الانتخابات النيابية للإتيان بالتغيير، لو قضما وعلى مراحل. كما ليس أفضل من توظيف تآمر التحالف المافيوي لإبطاء العدالة في قضيتي تفجير المرفأ والتحقيق الجنائي، شعارا للطبقة الجديدة المبتغاة، يحملها الى المجلس النيابي المرتقب ربيع سنة 2022.
ولتسهيل الأمر، لا بد من نوع من الإنتداب الدولي في المساحة الإنتقالية، عبّر عنه صراحة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يوم أعلن اتفاقا دوليا على آلية لتمويل استمرار الخدمات العامة للبنانيين، ظهر كأنه المرحلة الأولى من المشروع الدولي. ولن يكون مستبعدا أن تؤسَّس المرحلة الثانية على دخول دولي على خط التحقيق في تفجير المرفأ، متى تأكد لباريس أن التحالف المافيوي إياه لن يعدم فرصة لوأد التحقيق المحلي. وهذا الدخول قد يكون على شاكلة قضية الرئيس رفيق الحريري، بمعنى تحقيق دولي بمفاعيل سياسية لاحقة، يدين ركائز التحالف المافيوي ويسهّل التغيير السياسي الموعود فرنسيا، ويمهد لبدء ورشة دستورية – إصلاحية مطلوبة دوليا، وصولا الى الشكل المحدّث للنظام.
قد تكون أولى سنونوات هذا الإتجاه الفرنسي، التقرير المسهب الذي أوردته «الفيغارو» بتوقيع كبير مراسليها الدوليين رينو جيرار، وفيه 4 عناصر لافتة:
1- سعد الحريري غير مرحب به اميركيا وربما إقليمياً.
2- إتهام حزب الله بتخزين نيترات الأمونيوم في مرفأ بيروت لمصلحة النظام في سوريا.
3- وضع لبنان تحت الوصاية الدولية بإعادة تفعيل الفصل الـ13 من ميثاق الأمم المتحدة، كنتاج لمؤتمر دولي تشارك فيه إيران والسعودية وفرنسا وروسيا والولايات المتحدة الأميركية وغيرها.
4- في سياق الإشارة الى خطأ باريس في رهانها على أن يتحقق الإصلاح المطلوب من طريق «الطبقة السياسية التي تعتاش من الزبائنية»، إستخدم جيرار عبارة il est difficile de faire du neuf avec du vieux. في هذه العبارة تحديدا كل العبرة!