كتب د. فؤاد زمكحل في “الجمهورية”:
إنتهى الجزء الأول من مسرحية التأليف والتكليف، وبدأ الجزء الثاني منها. أعتذر عن تسميتها مسرحية، لكن هذه هي الحقيقة المرة، التي عشناها في الأشهر التسعة الأخيرة، والتي سنعيشها في الأشهر المقبلة، لأنه من الصعب جداً الإتفاق في هذا المناخ السلبي في ظل غياب الثقة والرؤية، والأهداف الواضحة.
إنّ الشعب اليوم ضحية هؤلاء السياسيين، عندما اتفقوا، توافقوا على المحاصصة والتسميات والمواقع، وتقسيم المشاريع والمساعدات وحتى أموال الشعب، وأوصلوا البلاد إلى هذا الدرك العقيم، في ظل التعب وانحدار الإقتصاد والإنفجارات والإنهيار.
فعندما اتفقوا، تَوافقهم أفادهم وحدهم، ودفع ثمنه الإقتصاد، والمواطن والوطن أجمع. وعندما اختلفوا كان خلافهم لأسباب انتخابية وتقاسمية وعلى بعض المقاعد وبعض الأسماء لا أكثر ولا أقل، ودفع ثمن أنانيتهم الإقتصاد والمواطن وولّدوا أزمة سبّبوها هم أنفسهم.
فالعبرة التي نتعلّمها بوضوح، هو أنه إذا اتفقوا أو اختلفوا يدفع الثمن الشعب، وأيضاً أن اتفاقهم كان دائماً على الفساد والهدر، وأوصلنا الى هذه الأزمة الكارثية. واختلافهم وانفصالهم لم يكن أبداً على تنافس الأفكار أو المشاريع او الرؤية، بل على زواريب ووحول سياسية.
بعد تسعة أشهر من التكليف الذي أدى إلى الإعتذار أخيراً، وإعادة تكليف جديد (قديم) في المنطق والحلقة المغلقة عينهما، بدأ السياسيون يُعطون المواعيد لأنفسهم حيال الإنتخابات النيابية في العام المقبل، لتصفية حساباتهم او بالأحرى لاختلافات جديدة واتفاقات مشبوهة للحفاظ على مقاعدهم. هذا يعني إذا قرأنا بين السطور أن الشعب والمواطن، والشركات والإقتصاد، والمجتمع الدولي، يجب أن ينتظر بعد، هذه الأشهر التسعة من ضياع الوقت، في وقت ليس لديه وقود لسيارته ولا أدوية لأوجاعه ولا أموال من مدخراته، وما تبقى من الإحتياط يُصرف يومياً لتمويل التهريب الذي يُموّل قسماً كبيراً من السياسيين.
بمعنى آخر، إن الرسالة الواضحة من السياسيين هي أنهم يحتاجون الى بعض الوقت ليتقاسموا الحصص، ويتحالفوا مرة أخرى على حساب الشعب والشركات والإقتصاد وحتى مساعدات المجتمع الدولي المجمّدة جرّاء إدارتهم وحوكمتهم الفاسدة والثقة المفقودة بهم إلى الأبد.
نسأل أنفسنا أنه من بعد هذا الإنهيار المتراكم والمتكامل، وهذا التضخم المفرط إذا استطاعوا أن يُموّلوا كلفة صناديق الإقتراع، أو كلفة مغلّفات الإنتخابات أو حتى كهرباء المواقع الإنتخابية، وإذا كانوا جديين لإجراء الإنتخابات في موعدها المقرر.
في الجزء الثاني من مسرحية التكليف والتأليف هناك ثلاثة احتمالات:
– أن يكون هناك تكليف لشخصية سياسية جديدة قديمة من الحلقة المغلقة القائمة عينها، لكن نكون في الوقت عينه، قد عدنا إلى نقطة ما قبل الصفر، باعتبار أن التأليف سيكون صعباً وحتى إذا تم فلن تنال ثقة المجتمع الدولي وتأييده.
– أن يكون التكليف لشخصية مستقلة مع دعم سياسي مبطن، لكن لسوء الحظ ستكون استعادة لتجربة الحكومة السابقة من دون أي نتيجة، إلا اذا أعطيت صلاحيات إستثنائية وهذا أمر مستحيل في هذا الوضع القائم.
– أن يكون تعويم حكومة تصريف الأعمال من أجل أن تتابع مهماتها وتنظم الإنتخابات النيابية المقبلة. لكننا ندرك تماماً مسبقاً أن هذه الحكومة ستكون عاجزة عن قيادة البلاد أو تنظيم الإنتخابات، لأنه بوضوح لا تستطيع وليس لها النية، ولا تريد، وليس لها الإمكانات، لا للإدارة ولا للتنظيم ولا حتى لتصريف الأعمال ولتنظيم الإنتخابات وغيرها، وهي عاجزة تماماً عن إجراء أي إصلاحات.
حان الوقت للشعب أن يتوقف عن مشاهدة هذه المسرحيات المتلاحقة والمتشابهة منذ عقود. حان الوقت لأن يتحول من دور المشاهد والمصفق إلى دور اللاعب الأساسي بعيداً عن المسرحيات لكن قريباً من الحقيقة وإعادة الهيكلية واستعادة المبادرة، ولا سيما إطفاء الأضواء عن هذه المسرحيات الهزلية.