كتبت إيفا أبي حيدر في “الجمهورية”:
وقّع وزير الطاقة في حكومة تصريف الأعمال ريمون غجر مع الحكومة العراقية في بغداد اتفاقاً لتبادل الطاقة يتلقّى بموجبه لبنان مليون طن من زيت الوقود العراقي الثقيل، تمثّل ثلث الكمية التي يحتاجها مقابل «خدمات وسلع». مدة العقد سنة واحدة، وهي عبارة عن نحو شحنتَي فيول كل شهر.
أما في التفاصيل، فيسمح الاتفاق بـ«شراء مليون طن من الفيول الثقيل من دولة العراق لصالح مؤسسة كهرباء لبنان»، مقابل «خدمات استشارية واستشفائية». وبما انّ زيت الوقود الثقيل غير صالح للاستعمال مباشرة في معامل الطاقة اللبنانية، ستلجأ السلطات اللبنانية إلى التزَوّد بنوع آخر من الوقود من مزوّدين آخرين، يكون أكثر توافقاً مع المعامل اللبنانية. وكشف غجر أنه لن يتم الدفع لهؤلاء المزودين بالعملة الصعبة، بل سيجري إعطاؤهم زيت الوقود العراقي في المقابل.
وتعقيباً على الاتفاقية، شددت خبيرة النفط لوري هايتيان، ومديرة مكتب معهد حوكمة الموارد الطبيعية (NRGI) في منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا، على انه في مثل هذه الظروف وبما انّ الاتفاقية موقعة بين بلدين يعانيان، استناداً الى مؤشرات عالمية، مستويات عالية من الفساد والفساد الإداري يفترض نشر الاتفاقية أمام الرأي العام، لافتة الى انه سبق لوزير الطاقة أن صرّح في حديث اعلامي سابق بأنه مستعد لنشر العقد، وبالتالي هو مطالب اليوم بأن ينفّذ وعده. كذلك اعلن غجر انه سيعدّ مناقصة لاختيار الشركة التي ستتولى تنفيذ العقد، أي تتصرف بالفيول العراقي مقابل تأمين الفيول للبنان بالمواصفات التي يطلبها، وهنا أيضا المطلوب من الوزير الإعلان عن موعد المناقصة ومَن هي الشركات التي ستتقدم بها واسماء الشركات الرابحة، كذلك يجب ان تتّسِم آلية مراقبة كل هذه العملية بالشفافية والوضوح. ففي فترة لاحقة يفترض بالوزارة ان تصدر بيانات عن كمية الفيول التي استوردناها والكميات المستخدمة وتلك المتبقية.
كذلك، شددت هايتيان لـ«الجمهورية» انه ما زال من غير الواضح ما هو الشيء الذي سيقدمه لبنان للعراق مقابل الفيول؟ وما هي نوعية الاستشارات والخدمات المطلوبة؟ وستقدّم وفق أي سعر نفط؟ ففي النهاية فإن لبنان سيكون مديوناً للعراق وهل هذه الخدمات ستقدم للحكومة العراقية ام للشعب العراقي؟ واعتبرت انّ هذه الشفافية مطلوبة أيضاً تجاه الشعب العراقي وليس فقط اللبنانيين، خصوصاً انّ وضع العراقيين ليس افضل من وضعنا فهم لا يتمتعون برفاهية اقتصادية ليهدروا مواردهم.
ورأت هايتيان انّ لبنان لا يملك ما يعطيه للجانب العراقي، لذا المطلوب توضيح نوعية الخدمات فهل في حال أجرى احد العراقيين عملية جراحية في مستشفيات لبنان يجيّر كلفة العملية على الاعتماد المفتوح في مصرف لبنان لصالح الحكومة العراقية؟ ام ستسجّل ديوناً لبنانية لصالح العراق؟ لذا نقول انّ الشفافية والوضوح مطلوبين بشدة.
اما في ما خص الكهرباء، تقول هايتيان: بعد الإعلان عن الاتفاقية وإيهام الناس ان هذا الفيول سيكون مخصصاً لمعامل الكهرباء، عاد الوزير غجر امس ليعلن انه بحاجة الى سلفة جديدة لزوم معامل الكهرباء والا ستبقى التغذية كما هي عليه اليوم، وأبدَت خشيتها من ان يُدار نفط العراق كما تُدار السلفة لتمتدّ على أكبر فترة ممكنة من دون ان تشكل فارقاً.
المؤتمر الصحافي
وبالعودة الى وقائع المؤتمر الصحافي، أشار غجر الى أنّ هذه الاتفاقية «تشمل استيراد وشراء مليون طن من الفيول الثقيل لصالح مؤسسة كهرباء لبنان لمدة سنة، ووفقاً للأسعار التي يحددها الجانب العراقي، وهذا الفيول نحن في لبنان لا نستطيع استعماله، لأنّ مواصفات الفيول التي نستعملها في معاملنا مختلفة، والذي سيحدث أننا سنقوم تباعاً وحسب الحاجة بمناقصات لشراء فيول من خلال «سبوت كارغو» لمؤسسة كهرباء لبنان وللقطاع الخاص يعني الى منشآت النفط، وتتم هذه المناقصات حسب premium لكل شركة. ولكن الفرق أنه بدلاً من أن ندفع من خلال مصرف لبنان، سنقول لهم أن يستبدلوا النفط الذين سيعطونا إيّاه بنفط عراقي».
وأشار الى أنّ «كمية الفيول التي تقدّر بثلاثة ملايين طن هي ثلث الكمية التي نحتاجها عادة في لبنان، فنحن نحرق عادة ثلاثة ملايين طن من فيول grade A وفيول grade B او Gaz oil. أما كمية الكهرباء التي من الممكن أن تعطينا فتتوقّف حسب الكمية التي سنعطيها نحن، وممكن أن تعطي لمدة أربعة أشهر وحسب الطلب، لأنّ الوضع يتغير بين الصيف والشتاء، ففي الصيف يمكن إعطاء 9 ساعات أما في الشتاء يمكن إعطاء 14 ساعة».
وأضاف: «مؤسسة كهرباء لبنان تحاول تطويل أمد الفيول الموجود من خلال السلفة التي اخذناها من مجلس النواب، والتي هي بقيمة مئتي مليون دولار، والتي لا ولن نستعملها ولم نصرف غيرها الّا من الوفر العائد لعام 2020 أو من خلال شراء الفيول أو استبداله من العراق. فكلنا نقرر، كم والى اي مدة، الى حين نجد حلاً مستداماً ولمدة أطول».
ورداً على سؤال قال غجر: «لم يُحك أي مرة عن موضوع الهبة من العراق، فالحديث دائماً كان يدور حول الفيول مقابل خدمات استشارية»، مؤكداً أنّ «الدولة العراقية قبلت بفتح حساب في مصرف لبنان مقابل هذا الفيول أو المحروقات، وهذا الحساب تحرّكه وزارة المال، ولكن تشتري فيه داخل لبنان ولا تصدر دولاراً واحداً خارجه، ما يعني أنّ الخدمات تدفع بالليرة اللبنانية حسب السعر بلبنان. لذلك لن نمس بالاحتياطي الإلزامي لأنّ الدفع داخل لبنان وأيضاً هذه ليست هبة، فالعراق يحق له التصرف بثروته واستعمالها لصالحه. ونحن سألنا الشركات التي نتعامل معها بخصوص عملية الاستبدال ولم ترفض». وتمنى الوزير غجر من دول عربية شقيقة أن «تحذو حذو دولة العراق وتعطينا فرصة مثل العراق، لأنها فرصة ذهبية بالنسبة إلينا».