كتب عماد مرمل في “الجمهورية”:
لعل من أبرز العلامات الفارقة لـ»اثنين التكليف» هو تسمية «حزب الله» الرئيس نجيب ميقاتي، بكل ما يحمله ذلك من إشارات سياسية بليغة في اتجاهات عدة.
بَدا قرار «حزب الله» بتسمية ميقاتي لافتاً للبعض ممّن كان يتوقع ان يمتنع الحزب على الاقل عن التصويت كما فعل مع الرئيس المكلف «السابق» سعد الحريري.
وهناك من افترض انّ الترويج بأنّ ميقاتي مدعوم من قوى اساسية في المحور الدولي – الاقليمي المضاد للحزب إنما سيحرجه وسيُصعّب عليه تسميته، ومن ثم تبرير هذا الخيار لقاعدته الشعبية التي تعاملَ جانب منها بسلبية مع اسم ميقاتي فور بدء التداول به.
كذلك، انزعج «التيار الوطني الحر» من قبول الحزب بخيار ميقاتي قبل اختمار التنسيق المشترك في شأن البديل عن الحريري المعتذر، بحيث شعر التيار انّ هناك محاولة لفرض امر واقع عليه قابَلها بالاعلان عن احتمال تسميته السفير نواف سلام، قبل أن يتراجع الى سقف عدم التسمية، خصوصاً ان دعم سلام سيكون عبثياً لأنه لا يملك اي فرصة للفوز بالتكليف في ظل امتناع كل الكتل النيابية عن دعمه.
والعارفون ببواطن الأمور وكواليس الحياة السياسية يعرفون ان العلاقة بين «حزب الله» وميقاتي لم تنقطع بعد مغادرته رئاسة الحكومة قبل نحو 8 سنوات، وانّ المعاون السياسي للأمين العام للحزب حسين الخليل أبقى على وتيرة تواصل شبه منتظمة مع ميقاتي، وكان يلتقيه من حين الى آخر، وبالتالي لا قطيعة او نزاع بين الجانبين.
وتفيد المعلومات انّ ميقاتي كان مسروراً من تصويت كتلة «الوفاء للمقاومة» له، وهو العارف أنّ الوزن الداخلي والخارجي الذي يمثله الحزب يمكن أن يساهم لاحقاً في إعطاء قوة دفع لمساعي التشكيل التي ستنطلق بعدما ينتهي الرئيس المكلف من الاستشارات البروتوكولية مع الكتل النيابية.
ولكن، ما هي دلالات مبادرة «حزب الله» إلى تسمية ميقاتي بعد نقاش مستفيض في «الشورى»؟
يوضح المطلعون انّ موقف الحزب الايجابي يؤشر الى الأمور الآتية:
– الحرص على مراعاة ارادة المكون السني وتجنب فرض اي خيار عليه، خصوصاً انّ تجربة الرئيس حسان دياب أثبتت ان النقص في غطاء الطائفة يضعف الحكومة ورئيسها ويتسبب في «صداع» ميثاقي، إضافة إلى أن الحزب كان ولا يزال يضع مبدأ منع التوتر المذهبي في صدارة أولوياته، وهذا ما يفسر انه شكّل حاضنة لتكليف الحريري طوال 9 أشهر، ثم قرر بعد اعتذاره دعم المرشح الذي اختاره مع رؤساء الحكومات السابقين.
– إسقاط اتهامات خصومه له بأنه مستفيد من التعطيل المتمادي ولا يريد تشكيل حكومة وأنه كان يناور خلال الاشهر السابقة لمنع الحريري من تأليفها، فأتى التصويت لميقاتي المدعوم من الحريري ليُظهر بالوجه الشرعي انّ الحزب يريد «تشريج» بطاقة تكليف ميقاتي بالرصيد الذي من شأنه ان يسهّل مهمته.
– تفكيك المقولة التي سوّقَت فكرة انّ الحزب متواطئ مع «التيار الوطني الحر» في عرقلة التشكيل ويتلطّى خلفه للتمويه على حقيقة موقفه، بحيث انّ تمايزه عن التيار في التسمية بَدّد نظرية «المناورات المشتركة» وأظهَر انّ هناك تباينات حقيقية بينهما حيال الملف الحكومي تحت سقف التنوع داخل التحالف، وليس توزيعاً للأدوار كما قد يتهيّأ للبعض.
– محاولة تأمين ولو الحد الأدنى الممكن من متطلبات مواجهة التحديات الخدماتية والمعيشية التي تتحكم بهذه المرحلة وتتقدم على اي ملفات أخرى، ما يستدعي براغماتية ومرونة في التعاطي السياسي من دون التخلي عن الضوابط والثوابت المتصلة بالخيارات الكبرى.
– إستشعار الخطر الناتج من استمرار تفاقم معاناة الناس الذين أنهَكتهم الازمات اليومية ومن ضمنهم جمهور المقاومة، وبالتالي السعي الى تخفيف الاعباء الاقتصادية والاجتماعية عنهم، الأمر الذي لا يمكن أن يتحقق من غير تشكيل الحكومة التي باتت ممراً حتمياً للعبور نحو تخوم «منطقة الأمان» ولجم الانهيار.
وربطاً بكل هذه المقاربة، من المتوقع ان يسري دعم الحزب لميقاتي في التكليف على مفاوضات التشكيل انطلاقاً من قاعدة انّ كل طرف يعرف ضمناً الخطوط الحمر لدى الآخر والمساحات المشتركة التي يمكن البناء عليها.