جاء في الأخبار:
بعد 9 أشهر من التعطيل، ذللت الأزمة الحكومية بتكليف نجيب ميقاتي رئيساً للحكومة. كل القوى المعنية بالمشاركة في مجلس الوزراء، بمن فيهم رئيس الجمهورية ورئيس التيار الوطني الحر، أبدوا إيجابية غير مسبوقة للتعاون، لكن مع حذر من أن يكون ما يُفصّله ميقاتي ليس سوى تعطيل حريري آخر بمباركة فرنسية. واليوم تبدأ استشارات التأليف في مجلس النواب، لتفتح مسار تشكيل الحكومة التي يضغط الفرنسيون لإنجازها في وقت قياسيّ.
لم يخرج مسار تكليف نجيب ميقاتي كرئيس للحكومة عن المسار المرسوم له، فحصد 72 صوتًا من الكتل التي سبق لها أن أعلنت اعتزامها تسميته (حركة أمل، تيار المستقبل، حزب الله، التقدمي الاشتراكي، الحزب السوري القومي الاجتماعي (جناح حردان)، كتلة ميقاتي، تيار المردة، وكل من النواب جهاد الصمد، جان طالوزيان، ميشال ضاهر، إدي دمرجيان، عبد الرحيم مراد، عدنان طرابلسي، إيلي الفرزلي وتمام سلام)، لـ«ينجح» بفارق 7 أصوات إضافية عن الاصوات التي نالها رئيس الحكومة المستقيل سعد الحريري عند تكليفه، على أن تبدأ استشارات التأليف اليوم في مجلس النواب، فيما التزمت كتلتا التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية قراريهما بعدم تسمية أحد، الى جانب كتلة ضمانة الجبل (غاب النائب طلال أرسلان) والطاشناق وكل من فيصل كرامي، الوليد سكرية، أسامة سعد، شامل روكز، جميل السيد، وحصل السفير نواف سلام على صوت واحد من النائب فؤاد مخزومي. وخلافاً للتصريحات والشعارات الهجومية على ميقاتي على وسائل التواصل الاجتماعي من قبل نواب ومسؤولين وناشطين عونيين، كانت أجواء بعبدا إيجابية، فقابلها ميقاتي بإيجابية أكبر.
وأكدت مصادر بعبدا أن عون توافق مع رئيس الحكومة المُكلّف على الاسراع في تشكيل الحكومة من دون الدخول في تفاصيل توزيع الحقائب أو تفاصيل أخرى. ونفت المصادر وجود «أي خلافات حول حقيبة معينة، فالبحث لم يتطرق الى هذه المسألة، لكن ثمة أجواء متعمدة للإساءة الى عملية التأليف والتسويق لنقاط خلافية بين الرئيسين غير موجودة».
على مقلب التيار العوني الذي لم يصوّت لصالح ميقاتي من منطلق «التجربة السابقة غير المشجّعة»، كما قال رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل إن أي قرار لم يُتّخذ بعد بخصوص إعطاء الثقة أو حجبها. وقالت مصادر مقرّبة من باسيل إن «ثمة إيجابية حقيقية تم لمسها من خلال رغبة ميقاتي في التعاون ونيته التسهيل لا العرقلة، بخلاف ما دأب عليه الحريري». بناءً عليه، «إذا كان البرنامج وشكل الحكومة جيدين، فسيمنح التيار ثقته لميقاتي». ذلك لا يحجب «الشكوك التي ما زالت ماثلة عند باسيل من وجود مكيدة ما تُحضّر لفريقه من تحت الطاولة، وهو ينتظر ليرى كيف سيتصرف الرئيس الجديد والطريقة التي سيتعامل بها خلال التأليف، عندها يتخذ قرار جدّياً بالتعاون أو المواجهة». وحتى الساعة، كل تصريحات ميقاتي واجتماعاته تقود الى رغبة في التعاون، بدءاً بما عبّر عنه لدى اجتماعه برئيس الجمهورية، حيث أعرب عن استعداده للتعاون والتوافق «لتشكيل الحكومة المطلوبة التي ستنفذ المبادرة الفرنسية لمصلحة لبنان والاقتصاد اللبناني كي ننشل البلد من الانهيار»، مؤكداً أن لديه الضمانات الخارجية المطلوبة للخروج من الأزمة.
وفي الغرف المغلقة، يؤكد ميقاتي أنه في حال تمكنه من تأليف حكومة، فإن أولوياتها ستكون في الفترة الفاصلة عن موعد الانتخابات النيابية هي «ضمان حصول اللبنانيين على الدواء والمحروقات والكهرباء». وأشار أعضاء في فريق عمله إلى نيته طرح فكرة استخدام مبلغ الـ900 مليون دولار التي سيحصل عليها لبنان من صندوق النقد الدولي (ضمن ما يُعرف بآلية «حقوق السحب الخاصة») لبناء معملين للكهرباء في دير عمار والزهراني، بما يغطي كامل حاجة لبنان للكهرباء حالياً. وإضافة إلى ذلك، يعوّل ميقاتي على الزخم الدولي الذي وُعِد به، من أجل ضمان تطبيق اتفاقية استيراد الغاز من مصر، ما يؤدي إلى خفض فاتورة الكهرباء وضمان استمرار الانتاج. إلا أن ميقاتي أوضح أنه سيدرس مع صندوق النقد الدولي، ومع خبراء اقتصاديين، السبل الأفضل لاستخدام الاموال المخصصة للبنان، علماً بأنه لا يتحدّث عن إمكان التوصل إلى اتفاق برنامج مع صندوق النقد، بل عن «التفاوض مع الصندوق بهدف تحضير الأرضية لاتفاق معه». وفي المقابل، يحذّر سياسيون من الإفراط في التفاؤل بإمكان حل أزمة الكهرباء في غضون أشهر، رغم أن دولاً كثيرة تمكّنت من ذلك في أقل من عام واحد.
من جانبها، لم تنتظر فرنسا طويلاً قبل إصدار «أمر اليوم» للبنان، فأشارت المتحدثة باسم الخارجية إلى أن «فرنسا أخذت علماً بتكليف ميقاتي لرئاسة الحكومة، يبقى الأمر المُلح تشكيل حكومة ذات كفاءة وقادرة على تنفيذ الاصلاحات التي لا غنى عنها لنهوض البلاد، وهو ما يتوقعه كل اللبنانيين». ولم تجد الخارجية الفرنسية حرجاً في دعوة «جميع القادة اللبنانيين إلى التحرك في هذا الاتجاه في أسرع ما يمكن، وتشارك مسؤولياتهم». كذلك أتى «أمر» آخر من الاتحاد الاوروبي الذي أبلغ لبنان «ضرورة تشكيل حكومة ذات مصداقية وتخضع للمحاسبة من دون تأخير».