Site icon IMLebanon

ميقاتي مكلّفًا: “انتحاري” أو محصّن دوليًا… وبـ”مأزومية المنظومة”؟

كتبت كلير شكر في نداء الوطن:

لا شكّ بأنّ نجيب ميقاتي “استمات” للعودة إلى السراي الحكومي، وإلا ما فعلها في هذه اللحظة بالذات. اختار أصعب الظروف وأقساها، وقد تكون انتحارية، ليجرّب حظه في تأليف حكومة، ستضع يومياً سيف النقمة الشعبية فوق رقبته. والأرجح أنّ سعد الحريري، الذي روّج لاسمه خلال الأسابيع الماضية كبديل له، لم يصدّق أنّ القطب الطرابلسي بات بين ليلة وضحاها رئيساً مكلّفاً، وكأن “طبخته” موضوعة على نار هادئة منذ فترة، فيما هو آخر العارفين بنضوجها!

لا يبالغ ميقاتي وفق عارفيه، بتفاؤله في امكانية تحقيق الكثير من الانجازات، ولا هو ضامن قيام حكومة تتناسب ومقتضيات المرحلة، لكنّه مقتنع أنّ الجميع مأزوم، وأنّ الحاجة لوقف الانهيار الذي سيطيح بكل شيء باتت ماسة وقد تستوجب تجاوز بعض الاعتبارات والمطالب. ولذا سيحاول التعلّم من درس تجربة تكليف الحريري الذي أغفل أنّ عامل الوقت لم يكن لمصلحته فجرى تحميله مسؤولية التعطيل والعرقلة مبرّئاً بذلك ساحة الآخرين من تهمة المشاركة في التلاعب بمصير شعب بأكمله.

على هذا الأساس، يضع ميقاتي لنفسه مهلة محددة للتأليف، قد لا تتجاوز الأسبوعين خصوصاً اذا بدت المؤشرات من جانب شركائه الحكوميين، سلبية، وسيسارع إلى قذف كرة النار بوجه المعرقلين ليسمّي الأشياء بأسمائها. وفق عارفيه، لن يرمي نفسه في البركان، وسيحرص على وضع طابة التعطيل في مكانها الصحيح فور تيقّنه أنّ التأليف مستحيل، وهو لن ينتظر أسابيع وأشهراً ليقول كلمته النهائية. بالأساس، لم يعد يحتمل الوضع هذا الترف من الوقت بعدما بلغ القعر والحضيض، ولا بدّ من إجراءات سريعة قد تسهم في محاصرة النزيف ومنع تمدّده.

وفق عارفيه، لا تأكيدات مسبقة بنجاح مهمته، ولو أنه تحدث فور تكليفه عن ضمانات خارجية قد تساعده على تخطي العوائق، كما أنّه مقتنع أنّ عبوره معمودية النار هو مصلحة جماعية لأنّ الانهيار سيُغرق المركب بمن فيه. وفي هذا السياق يلمّح بعض المواكبين إلى تفاهم فرنسي- ايراني مدعوم أميركياً، عبّد الطريق أمام ميقاتي بدليل الحماسة التي أبداها “حزب الله” لتكليف القطب الطرابلسي، وهي إشارة ملفتة لم يقدّمها للحريري، في مقابل انكفاء سعودي شبيه لحالة الرفض التي طوّقت الأخير، وهذا ما ألمح إليه وزير الداخلية السابق نهاد المشنوق الذي اعتذر عن المشاركة في الاستشارات مشيراً إلى أنّه لا يرى “في هذا المسار أيّ أفق. فالمفتاح الفرنسي غير قادر، بمواصفاته الحالية، على فتح الأبواب العربية، المعنية فعلاً وأصلاً، بمساعدة لبنان”.

وبمعزل عن مدى الدعم الذي ستقدمه باريس لإنجاح ميقاتي في مهمته المستحيلة، فإنّ هذه الحكومة مطوّقة بسلّة تحديات وقرارات يفترض أن تأخذها، لن تكون مقبولة من الناس وقد تزيد من غليان البركان الشعبي اذا لم تكن مزنّرة بمجموعة إجراءات حمائية تساعد اللبنانيين على تقبّل الوضع الجديد. واول تلك القرارات سيكون رفع الدعم بشكل نهائي، وهو تقريباً صار شبه مرفوع، وسيطال القرار غير المستحب، كلّ المشتقات النفطية بما في ذلك البنزين والمازوت، وكذلك الأدوية. كذلك قد تضطر الحكومة إلى إعادة النظر بالدولار الجمركي لتحسين الواردات ذلك لأنه لا يزال حتى اللحظة على سعر الصرف الرسمي أي 1515، هذا فضلاً عن أزمة الكهرباء التي لا تحلّ إلا عبر بناء معامل انتاج ورفع التعرفة استطراداً.

ومع ذلك يقول عارفو ميقاتي إنّه لا يقود مغامرة غير محسوبة النتائج، وانما ينطلق من برنامج عملي إنقاذي يريده لحكومته، يهدف إلى تهدئة مفاعيل الانهيار والتخفيف من وطأة الارتطام الحاصل، وهو سيفاوض القوى السياسية على أساس برنامج محدد.

ويقوم البرنامج على أساس وقف الهدر وتنظيم الاستهلاك من خلال وضع سياسة واضحة المعالم تعالج الوضع المعيشي وتعتمد البطاقة التمويلية والبطاقة التموينية، وهي سياسة اتبعت في العديد من الدول التي عملت على النهوض من أزماتها، بالتوازي مع الشروع في التفاوض مع صناديق تمويلية والعمل على اتخاذ اجراءات سريعة تعطي مفاعيل سريعة. وهي خطة حاضرة في ذهن الرجل، وموجودة على الورقة والقلم. يبقى أن تثبت القوى الشريكة أنها جادة في ارادتها وفي رغبتها بانقاذ البلد.