كتبت غادة حلاوي في نداء الوطن:
استناداً الى مشهد الافتراق في الاستشارات وعلى خلفية المقارنة بين تصريحي رئيس كتلة المقاومة والتحرير محمد رعد والتيار الوطني الحر جبران باسيل يتضح مسار الاختلاف الذي وصل الى حد الافتراق في الخيارات السياسية بين “حزب الله” والتيار الوطني، من دون ان يعني ذلك خصومة في التفاهم بينهما. فبين من برّر خياره ووجد في الرئيس المكلف نجيب ميقاتي فرصة للخلاص ودعم وصوله بقصد “اعطاء جرعة دعم لتسهيل التشكيل” ومن استند الى مسيرته السابقة “غير المشجعة” ليتجنب تسميته متمنياً “ان يتم تصحيح رأينا بالممارسة” تباعد واختلاف في الرؤية يفضيان الى الاستنتاج ان التنسيق بينهما غير قائم والاختلاف على الخيارات تتوسع رقعته.
ذات يوم ليس ببعيد تلقت شخصية سنية حليفة اتصالاً من مسؤول في “حزب الله” يبلغه ان بورصة الترشيحات رست على نجيب ميقاتي رئيساً مكلفاً لتشكيل الحكومة، وفي الفترة الزمنية ذاتها كان مسؤول آخر يبلغ رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل ان الاتفاق “على ما يبدو” رسا على ميقاتي رامياً الكرة في ملعب الفرنسيين.
اختلاف جديد في الخيارات بين “حزب الله” والتيار يحاول كل طرف التقليل من أهميته والاصرار على ان علاقتهما على خير ما يرام، وانهما يتفهمان خلفية مواقف بعضهما وطبيعة الجمهور. لكن لمحة سريعة على مواقفهما تفضي الى الاستنتاج ان التنسيق السابق لم يعد هو ذاته، وان المراقب لا بد ان يرصد تباعد الخيارات وافتراقاً حول اكثر من ملف. يكفي الا يتم نقاش تكليف ميقاتي وان يبلغه الحزب على اعتباره رغبة فرنسية لا بد من التماهي معها لتشكل دلالة على الواقع، يسبقها التمسك بالحريري مكلفاً وهدر تسعة اشهر من عمر العهد ما تسبب بتدهور الازمة على كل مستوياتها، وصولاً الى تبني “حزب الله” عريضة رفض رفع الحصانات عن النواب في قضية تفجير المرفأ. اختلافات كثيرة في التوجهات والمواقف تعزز وضع المعترضين ممن يعتبرون ان التيار يجابه وحيداً ويواجه الاتهامات بحقه، حتى ثورة 17 تشرين صارت موجهة ضده حصراً بدليل ان الثوار رضوا بالحريري ولم يحركوا ساكناً.
ليست المرة الاولى التي يغرد فيها “حزب الله” خارج سرب حليفه ويحلق بعيداً. تبدأ الحكاية من محاربة الفساد، ذاك الملف الذي راهن التيار على خوضه مع شريكه في سبيل بناء دولة المؤسسات، فاذا بالشريك يستنفر اعتباراته الطائفية ومحاذيره الحزبية ويكتفي بايداع بضعة ملفات لدى القضاء على اعتبار انه ادى قسطه للعلى. ثم كان التمسك بتكليف الرئيس سعد الحريري رغم علمه انه اعجز من ان يشكل حكومة في ظل الفيتو السعودي بحقه. وها هو اليوم يتلقى صدمة تسليمه تكليف ميقاتي وتعزيز حظوظه وهو الذي كان حتى الامس القريب يعتبره وبناء على تجربته في حكوماته السابقة غير مؤهل للوثوق به مجدداً وقد اخلّ باتفاقه معهم مرات ومرات. وبينما يعارض التيار التوجه الفرنسي باختيار ميقاتي يندفع “حزب الله” باتجاه التسليم بالامر انطلاقا من كونه مطلوباً فرنسياً. المفارقة هنا ان “حزب الله” صار يلتزم خيار الفرنسيين بينما يعارضه فريق مسيحي في السلطة، ناهيك عن تبرير الحفاظ على العلاقة الشيعية السنية ودرء الفتنة علماً ان مثل هذا الامر يتم من جهة واحدة، فعلى اول مفرق تقفل طريق الجنوب ويُحتجز الجنوبيون ساعات وساعات. سلف “حزب الله” الحريري الكثير، وبعد اعتذاره وخلال مقابلته المتلفزة لم يجد غير الهجوم على “حزب الله” وكيل الاتهامات بحقة كباب للولوج الى المعارضة التي يخوض على أساسها الانتخابات النيابية.
من خلال ميقاتي يرضى “حزب الله” مجدداً بخوض تسوية على حساب حليفه المسيحي، وهو المدرك ان القبول به لترؤس الحكومة يعني، واذا لم يكن ضمن الشروط، التجديد لحاكم مصرف ولبنان وعدم المضي قدماً بالتدقيق الجنائي الذي أخذه العهد على عاتقه. لم يخض “حزب الله” نقاشا مع حليفه ولم ينسقا الموقف مسبقاً بخصوص الاستشارات النيابية الملزمة، ذهبا كل برؤيته، يريد “حزب الله” ان يقفل ملف الحكومة ويسلّم بخيار السنة ايا كان المرشح بينما يرفض التيار الانقلاب على قناعاته، فتكون النتيجة تسليم التيار بما ارتضاه الآخرون والوقوف على الحياد والنأي عن المشاركة او حتى اطلاق المواقف التي قد تفهم ان غايتها التعطيل او العرقلة طالما يحمّله الجميع المسؤولية.
حتى رئيس الجمهورية ميشال عون صار همه وقف تدهور قيمة الليرة والحد من ارتفاع سعر صرف الدولار والاوضاع المعيشية ويبدي استعداداً للتجاوب مع الرئيس المكلف. لم يؤد “حزب الله” اللعبة الداخلية كما يلزم، بالنظر الى اعتباراته المتعددة وحساباته في الداخل والاقليم، ما اظهره على غير صورته السابقة وجعله محل اتهام على خلفية تفاقم الازمة. المقارنة بين الوعود وما وصلت اليه الاوضاع تفضي الى غير مصلحة “حزب الله” الذي ربما لم يكن يتصور حجم الازمة واستمرارها كل تلك الفترة. ساير “حزب الله” على حساب حليفه المسيحي ومرر ما هو مناقض لقناعاته في سبيل ارضاء حلفاء آخرين. النقطة الخلافية الابرز هنا فشل التيار في الرهان على حليفه القوي في مشروع بناء الدولة ومكافحة الفساد وهذا انما يعكس وجود خلل في تطبيق بنود تفاهم مار مخايل.