كتبت كلير شكر في “نداء الوطن”:
في الشكل، يوحي رئيس الحكومة المكلّف نجيب ميقاتي أنّه يعرف قيمة الوقت. في هذه الأيام، لكل ثانية أهميتها وقدرتها على تغيير المسار الانحداري. في المضمون، لا تزال العبرة في التنفيذ ولو أنّ القطب الطرابلسي يُبلغ سائليه أنّه لن يكرر تجربة سلفه، رئيس “تيار المستقبل” سعد الحريري الذي حمل التكليف في جيبه تسعة أشهر، ليجهضه في قصر بعبدا بضربة غير منتظرة من رئيس الجمهورية ميشال عون. وها هو يحمل أولى مسوداته إلى قصر بعبدا بعد ساعات قليلة من انتهاء جولة الاستشارات.
في الشكل أيضاً، يكرر “تكتل لبنان القوي” المعزوفة ذاتها التي قدمها للحريري حين التقى الأخير أعضاءه في مجلس النواب إبان الاستشارات النيابية غير الملزمة. يومها قال جبران باسيل بعد لقاء كسر الجليد مع الحريري “ننتظر ما سيعتمده دولة الرئيس سعد الحريري مع فخامة الرئيس ميشال عون ونحن ايجابيون بشكل كبير ومستعدون لكل دعم”، ولفت الى أن “حقنا ان نتخوف لكن تصميمنا كامل على التعاون والدعم لوقف الانهيار وتخطي المرحلة الصعبة، ولم نطرح اي مطلب او شرط سوى معايير محددة وواحدة فهذا ما يسرع، أما تعدد المكاييل فيؤخر ويعرقل وهذا آخر ما يحتاجه البلد”، مطالباً “بتشكيل حكومة تكنوسياسية يكون الوزراء فيها يتمتعون بالكفاءة والقدرة على الانجاز السريع”. ومع ذلك، غرق “التيار” في مستنقع الشروط والشروط المضادة مع الحريري، وكلّف حيناً رئيس الجمهورية بالتفاوض عنه إلى حين قرر باسيل أن يقود بنفسه دفّة المفاوضات التي تأرجحت بين المشاركة والثلث المعطل ومنح الثقة للحكومة، وكل ذلك تحت عنوان أنّ “التيار” سيسهّل لرئيس الحكومة المكلف… إلى أن انتهى المطاف بالأخير، معتذراً.
يوم أمس، ذكّر باسيل الرأي العام بأنّه لن يشارك في الحكومة وقال إنّ “التيار اليوم في الموقع المساعد للرئيس المكلّف”، مضيفاً: “لا نمارس الحرد ولا النكد السياسي”. وأكد: “نحن مع تأليف سريع للحكومة وواجبنا تقديم التسهيلات اللازمة لذلك والدعم للإنجاز بدون التدخّل بعملية التأليف إطلاقاً، فنحن شريك دستوري بالكامل ومعنيون بتقديم الدعم الكامل لأي عمل إصلاحي تقوم به الحكومة ومعارضتها حين تُخطئ”.
ما يعني أنّ المعادلة ذاتها قد تطوق حركة ميقاتي الذي انطلق في تكليفه من حاضنة رؤساء الحكومات السابقين، ما قد يؤدي نظرياً إلى الالتصاق بالسقف الذي وضعه الحريري والشروط التي سبق وثبّتها في مسار التسعة أشهر. ما قد يدفع إلى الاستنتاج أنّ اعتذاراً جديداً قد ينتظر اللبنانيين اذا ما رفض أحد الطرفين تقديم بعض التسهيلات والتنازلات. ولكن فعلياً، ثمة عوامل متغيّرة من شأنها أن تبدل في قواعد الاستحقاق.
أولاً، يعرف ميقاتي أنّ الوقت سيف مصلت فوق رقاب الجميع ولهذا هو يمهّد لاعتذار قريب جداً اذا لم يلاقِه الآخرون إلى منتصف الطريق، من باب تضييق الهوامش والدفع نحو تأليف سريع.
ثانياً، لا أزمة شخصية بين رئيس الحكومة المكلف والفريق العوني على عكس سلفه حيث تغلّب الشخصي على السياسي ما حال دون دخوله السراي الحكومي.
ثالثاً، تتسم شخصية ميقاتي بالكثير من الدبلوماسية التي قد تأخذ محدثه “إلى البحر وترده عطشاناً” وقد قال عنه الرئيس عون إنه يعرف كيف يدوّر الزوايا، ما يعني أنه قابل للتملص من شروط الحريري بشكل هادئ ومن دون أن يثير سخط وغضب الأخير.
رابعاً، بلغت الأوضاع الاجتماعية حدّاً غير مسبوق من التدهور ما قد يشكل ضغطاً على كامل المنظومة السياسية وفي مقدّمها “التيار الوطني الحر”، الذي سيعدّ للعشرة قبل أن يتحمّل وزر تعطيل قيام الحكومة، وهي نقطة تسجل لمصلحة ميقاتي ما يزيد من فرص التأليف. بالنتيجة، يقول نائب عوني إنّ ظروف ميقاتي أفضل من ظروف الحريري، ما يعني أنّ احتمال التأليف صار اكثر واقعية. ولكن ما هي السيناريوات المحتملة؟ أقله بالنسبة لـ”تكتل لبنان القوي”؟
حسم باسيل الأمر باكراً بقوله إنّ “التكتل” لن يشارك في الحكومة، لكن رميه الكرة في ملعب رئاسة الجمهورية هو “الفتوى” التي يعرفها ميقاتي كما العونيون، ليكون باسيل حاضراً في التأليف. ثمة تسليم بين العونيين أنّ ميقاتي لن يتجرأ على خفض سقف قواعده بشكل يكسر الحريري، ولو أنّه قادر على المناورة نسبياً، للحفاظ على الشكل، وتقديم بعض التسهيلات في المضمون. أما ثقة “التكتل” فقد ربطها باسيل بشكل الحكومة، ما يعني فتح باب التفاوض على مصراعيه. كما أنّ تراجع باسيل عن تسمية نواف سلام لرئاسة الحكومة، كما كان يحاول اقناع “التكتل”، هو مقدمة لشراكة حكومية يريدها “التيار”، ولو بالمواربة.