لا ريب في أنّ الحرائق الموسمية فعلٌ من ارتكابات الطبيعة الأم، لكنها حين تندلع في بلد كلبنان مصحوبة برياح سلطة فاسدة تكون النتيجة خلطة “جهنمية” تأتي على “الأخضر واليابس”، كما حصل أمس في الشمال حيث حرقت “ألسنة” الإهمال المزمن لاحتياجات الدفاع المدني والتهميش المتعمّد لدور “هيئة إدارة الكوارث” أحراجاً معمّرة، وحاصرت بنيرانها البيوت السكنية وأهالي المنطقة الذين عمل الصليب الأحمر على إخلاء عدد منهم وإسعاف بعض آخر نتيحة تعرضهم للاختناق، بينما قضى فتى متطوع إثر سقوطه على رأسه خلال مساهمته في عمليات إهماد النار.
الخلاصة، أنّ الحرائق تتعدّد وتتمدّد تحت سطوة طبقة حاكمة ساقت اللبنانيين مخفورين إلى “جهنم” وتنتحل اليوم صفة “الإطفائي” العامل على إخماد نيرانها… فكان الأجدى بها بدل أن تتسول المساعدة من قبرص أن تقتطع الجزء اليسير من عشرات مليارات الدولارات التي نهبتها وراكمتها ديناً عاماً على الخزينة لتعزيز قدرات الدفاع المدني، بدل تركه يكافح الحرائق باللحم الحي، بعدما تقطّعت به السبل نتيجة فقدان مادة المازوت، و”تجنزرت” معداته مع تعذر شراء قطع غيار بالعملة الصعبة.
حكومياً، وعلى وقع إسداء رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل “نصيحة” ملغومة للرئيس المكلف نجيب ميقاتي بأن يحاذر الانزلاق إلى نادي “ضحايا” التكليف والتأليف وآخرهم الرئيس سعد الحريري، ملوحاً في حال عدم الإسراع في تشكيل الحكومة بـ”مقاطعة مجلس النواب أو المطالبة بتقصير ولايته أو الاستقالة منه” على قاعدة “من يفكّر بأن يحرقنا سنحرقه”… واصل ميقاتي أمس سياسة “الضرب على الحامي” وباشر الدخول في التفاصيل الشائكة مع رئيس الجمهورية ميشال عون حاملاً إليه “توزيعة طائفية” لتشكيلته، فأبدى عون “انطباعاته الأولية” عليها واستمهله إلى اليوم “بانتظار جواب باسيل كما درجت العادة”، وفق تعبير مصادر مواكبة للمشاورات الحكومية.
ونقلت المصادر أنّ “الصيغة التي حملها ميقاتي إلى عون رسمت خريطة لتوزيع الحقائب الوزارية على المكونات الطائفية، مؤلفة من 24 وزيراً، بلا وزراء دولة، بحيث تضم إلى رئيس الحكومة، نائب رئيس مجلس وزراء بلا حقيبة، و22 وزيراً بحقائب، فحصل نقاش حول تركيبة اللائحة وأبدى بنتيجته عون ملاحظاته الأولية مؤكداً أنه سيبدي المزيد من الملاحظات بعد التعمّق بدراستها بما يتناسب مع التوجهات الموضوعة لتشكيل الحكومة الجديدة”، على أن يُستكمل البحث اليوم بينهما لتتضحّ الصورة أكثر لناحية المقاربة العونية لعملية توزيع الحقائب.
وبينما نبّهت المصادر إلى أنّ “أي تغيير في أي حقيبة لجهة التوزيع الطائفي سينسحب على كل الحقائب، لأن التشكيلة الحكومية في توازنها هي بمثابة “بازل” إذا تغيرت حقيبة فيها سيؤدي ذلك إلى تغيير كل الحقائب”، عبّرت أوساط مقربة من دوائر بعبدا في المقابل عن “الحاجة إلى نقاش جوهري حول مسألة منح تشكيلة ميقاتي حقيبتي الداخلية والعدل للطائفة السنية”، معتبرةً أنّ ذلك “يخلّ في تأمين التوازن الطائفي في عملية توزيع الحقائب، خصوصا تلك المرتبطة مباشرة بالاستحقاق الانتخابي”، وأكدت في ضوء ذلك أنّ “لا شيء نهائياً بعد، وكل عملية توزيع الحقائب لا تزال محل أخذ ورد”.
وبانتظار ما ستعكسه أجواء الساعات المقبلة حكومياً، تمسك الرئيس المكلف بمقولة “إسع يا عبدي لكي أسعى معك” فأبدى انفتاحه على ملاحظات رئيس الجمهورية واستعداده لأخذها “بالاعتبار”، كما قال نهاراً من قصر بعبدا، قبل أن يحذر ليلاً عبر وكالة “بلومبرغ” من تداعيات “سقوط لبنان في الانهيار الكامل”، منبهاً إلى أنّ ذلك سيكون “قنبلة للشرق الأوسط بأكمله”.
وإذ جدد التشديد على أنه لا يستطيع “إخماد الحريق” وحده، حاصراً مهمته بـ”منع انتشاره خلال أول 100 يوم” من توليه سدة رئاسة الحكومة”، أكد ميقاتي أنه يحظى بالدعم الدولي المطلوب لإنجاز هذه المهمة “من باريس والاتحاد الأوروبي”، مع الإعراب عن ثقته بأنّ “الولايات المتحدة ستكون منفتحة” على تقديم الدعم لحكومته أيضاً، كاشفاً أنّ الشخصية التي ستتولى حقيبة المالية “يجب أن تكون قادرة على التواصل مع صندوق النقد الدولي بشأن خطة إنقاذ بقيمة 10 مليارات دولار”، غير أنه لفت في الوقت عينه إلى أنه سيكون “صانع القرار” المالي في الحكومة العتيدة قائلاً: “جئت من عالم الأعمال والمال، وسيكون لي رأي في جميع القرارات المتعلقة بالتمويل لأنه في هذا النوع من الأزمات، أنت بحاجة إلى صانع قرار”.