… وابتدا المشوار. فبعد 48 ساعة من «إعلان النيات» الإيجابية و«حمّالة الأوجه»، اقتربت «ساعةُ الحقيقة» حيال كيفية مقاربة الائتلاف الحاكم (الرئيس ميشال عون وحزب الله) التكليفَ الجديد للرئيس نجيب ميقاتي تشكيل الحكومة، وهل مازال كلاهما أو أحدهما ماضٍ في احتجاز هذا الملف ومعه البلد المْنْهار وناسه البؤساء رهينة استحقاقاتٍ داخلية أو إقليمية على حساب ما بقي من لبنان… الذي كان.
فبعد اثنين التكليف، وثلاثاء مشاورات ميقاتي مع الكتل البرلمانية التي ارتدتْ غالبيتها «القفازات» التي بدتْ أقرب إلى «نفْض اليد» من الآتي إذا كان أعْظم، بدأت فسحة «المناورة» تضيق ولن يطول الوقت قبل تَعْرية النيات وتَكَشُّف الخيارات «الدفينة» وتالياً الخروج من رماديةٍ إما يكون ما بعدها أبيض ويمنح البلاد «إكسير» إفلاتٍ من الاصطدام المريع، وإما أسْود يفتح الباب أمام مرحلةٍ كلها… رماد برماد.
وإذا كانت «المداراة» المتعمّدة التي يعتمدها ميقاتي في التعاطي مع رئيس الجمهورية ميشال عون و«ملاحقته» مسار التأليف بخطى متسارعة عبّرت عنها زيارتاه المتتاليتان لقصر بعبدا أمس و أول من أمس، كفيلةً بإسقاط الأقنعة سريعاً عن حقيقة ما يُضمر، خصوصاً من رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل في الملف الحكومي، فإن أحداً في بيروت لا يملك الجواب اليقين حول ما ستؤول إليه المحاولة الثالثة (منذ سبتمبر 2020) لتأليف حكومةٍ «يتوسّل» المجتمع الدولي القوى السياسية الإفراج عنها، بشروطٍ تتفاوت بين عواصم غربية وعربية حيال «منسوب» صدقيتها واستقلاليتها عن الطبقة الحاكمة، كوسيلةٍ لتوفير «طوق النجاة» من الارتطام المميت وتعبيد الطريق أمام الانتخابات النيابية ربيع 2022.
ولم تخْرج الساحة السياسية أمس من دائرة التردّد في الجزم بالاتجاهات التي سيسلكها مسار التأليف الذي انتقل الى مرحلة البحث في حجم الحكومة وتوزيع الحقائب على الطوائف وفق تصَوُّر أولي حمله ميقاتي إلى عون ويخضع لأخذ وردّ بين المقترحات والملاحظات، وسط بروز سيناريويْن «يتنافسان» على حلبة التشكيل:
* الأوّل الاعتقاد بأن هناك فرصة ومحاولة جدية لاستيلاد الحكومة قبل الرابع من أغسطس المقبل، موعد الذكرى الأولى لانفجار مرفأ بيروت والمؤتمر الدولي لدعم الشعب اللبناني الذي تعقده باريس، وقبلها بأيام قليلة إنجاز نظام العقوبات في شأن لبنان الذي كشف مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل أنه سيكون جاهزاً قبل نهاية يوليو الجاري ويمهّد لاستهداف شخصيات سياسية بتهمٍ تراوح بين عرقلة تشكيل الحكومة والفساد.
ويستند أصحاب هذه القراءة إلى أن عدم تأليف الحكومة قبل 4 أغسطس يمكن أن يكون «باب جحيم» بوجه السلطة والعهد، وسط استعدادات تشي بأن يوم ذكرى «بيروتشيما» سيكون مشهوداً وستطبعه تحركاتٌ شعبيةٌ كبيرة يرجّح أن تشكّل انطلاقة متجددة للتظاهرات التي رغم خفوتها لا تزال «حيّة» وإن خلف الجدران وهي لم تتلقّف بإيجابية تكليف ميقاتي بوصفه أحد أركان المنظومة التي انفجرت ضدها انتفاضة 17 اكتوبر 2019.
ولا تقلّ أهمية «العصا» الدولية التي سيصبح لها «أنياب» بعد إنجاز الاتحاد الأوروبي نظام العقوبات، والتي لابدّ وفق مؤيّدي هذا السيناريو أن تؤخذ في الاعتبار، في سياق قياس الاحتمالات والخيارات للائتلاف الحاكم الذي لن يكون مناسباً له الوقوع «بين ناريْ» أرضٍ شعبية تهتزّ تحت أقدامه و«سحب بساط» دولي نهائي منه، علماً أن كلاً من واشنطن ولندن حضتا أول من أمس ميقاتي على «التشكيل السريع لحكومة فاعلة وتلتزم إجراء إصلاحات أساسية» فـ «المجتمع الدولي على استعداد للمساعدة ولكن يجب أن يتحركوا (القادة اللبنانيون) الآن».
ولا يُسقِط داعِمو القراءة نفسها أن رئيس الجمهورية وبحال دَفَعَ نحو اعتذارِ ثالثِ رئيسٍ مكلف (بعد السفير مصطفى أديب والرئيس سعد الحريري) سيكون كمَن يعلن رفْض الشراكة مع موقع رئاسة الحكومة وما تمثّله في لعبة التوازنات الطائفية الداخلية، وهذا ما قد يضع ما بقي من عهده وبقائه في منصبه ربما على محكّ الصمود بوجه غضبة شعبية بعنوان المطالبة باستقالته، في موازاة عدم ممانعة «حزب الله» استدراج المجتمع الدولي للملمة مخلّفات عزْله لبنان واسترهانه لمشروعه الإقليمي، من دون أن يكون قدّم أي تنازلات استراتيجية بالمعنى الذي يؤثّر في إمساكه بمفاصل الواقع اللبناني الذي لا يلائم الحزب أن يتحوّل «ورقة محروقة» بلا قيمة على طاولة مفاوضات النووي ويمكن أن ترتدّ «نارها» (الشعبية) عليه ابتداءً من بيئته وصولاً إلى خصومه.
* أما السيناريو الثاني، فيرى أن لا شيء تبدّل ويدعو لافتراضِ أن يكون سلوك الائتلاف الحاكم تغيّر، حيث إن لا الرئيس عون وفريقه في وارد «التفريط» بكل ما راكَمه تحت عنوان «حماية» طريق باسيل للرئاسة الأولى وهو وما يمرّ حكماً بالانتخابات النيابية التي ستشرف عليها الحكومة الجديدة وإلا بقيتْ هي لإدارة مرحلة ما بعد انتهاء ولاية عون (خريف 2022) في ظل طغيان الترجيحات بحصول فراغ رئاسي لابد من إعداد العُدّة له (كما للاستحقاق النيابي) عبر «استحكاماتٍ» داخل الحكومة.
وفي الإطار نفسه، لم يشهد المناخ الإقليمي ما يشي بإمكان تَصَوُّر تراجُع طهران عن سياسة جرّ الإدارة الأميركية إلى مفاوضات النووي على حبلٍ مشدود في كل ساحات نفوذها، وذلك أيضاً من باب تشكيل خطوط دفاع هجومية تمنع ربْط أي إحياء لاتفاق 2015 بملحقات تتصل بنفوذ إيران في المنطقة وبرنامجها للصواريخ البالستية.
وفي «جعبة» مؤيّدي هذا السيناريو حيثيات «جاهزة» لتوقُّع ألّا يُمنح ميقاتي ما لم يُعْطَ للحريري، بدءاً من السلبية التي قابل بها «التيار الحر» التكليف الجديد بما يُنْذِر بأن يتظهّر ذلك تباعاً مع تقدُّم مفاوضات الورقة والقلم بين عون وميقاتي الذي كان حمل تصوراً إلى رئيس الجمهورية لحكومة من 24 وزيراً تبقى فيها الحقائب السيادية الأربع على توزيعها الطائفي نفسه مع مرونة (من ميقاتي) حيال التشارُك في التوافق على كل الوزراء من دون مواقف مسبقة.
وفي رأي هؤلاء أن «الفتيل» الذي يمكن أن يعقّد مجمل مسار التأليف هو حقيبة الداخلية (يتمسّك ميقاتي ورؤساء الحكومة السابقون بأن تبقى للمكوّن السني) التي يحبّذ عون وفريقه أن تكون من حصته، ولا يُعرف إذا كانت ستنجح محاولات التفاهم على اسم سني توافقي يتولاها، هذا إذا لم يَظْهر إصرار عليها من فريق رئيس الجمهورية، ناهيك عن 3 ملفات أخرى.
أولها التدقيق الجنائي الذي يتمسك عون بأن ينطلق من مصرف لبنان، ويريد رؤساء الحكومة السابقون مساراً شاملاً له بالتوازي بعيداً من أي انتقائية أو انتقامية. وثانيها الثلث المعطّل الذي لطالما كان القطبة المخفية غير الخفية التي أطاحت بمهمة الحريري، إذ تُعتبر عنصر تعزيز لموقع باسيل عبر حصة رئيس الجمهورية تحت عنوان «توازُن الميثاقية» التي يوفّرها عون عن الأحزاب الوازنة المسيحية التي تغيب عن الحكومة (التيار الحر و«القوات اللبنانية») وبما يُعطي الثلث زائد واحد، ولو المقنّع، مفعولاً يوازي تحكُم رئيس الوزراء بمصير الحكومة، سواء لانعقاد جلساتها أو للإطاحة بها بمجرّد استقالته، وتالياً يجعل رئيس الجمهورية بمثابة «شريك مُضارِب».
ويبقى العنصر الثالث وهو مغزى كلام «حزب الله» عن وزراء «ذوي اختصاص وخبرة»، وهل في الأمر محاولة مضمرة لإحياء خيار الحكومة التكنو – سياسية الذي رفضه ميقاتي علناً، مؤكداً أنه يسعى لحكومة اختصاصيين غير حزبيين ويحاول إبعادها عن المحاصصة السياسية المكبّلة لعملها؟
وفي موازاة هذه القراءة غير المتفائلة بولادة قريبة للحكومة، استوقف أوساطاً سياسية أن الإشارات العربية والخليجية تحديداً حيال تكليف ميقاتي لم تعكس حماسةً، تبقى مرهونة بما سترسو عليه التشكيلة وتوازناتها والإصلاحات السياسية كما الاقتصادية التي ستنكبّ عليها، وسط إشارة لافتة شكّلتها مغادرة السفير السعودي وليد بخاري بيروت الى الرياض «للتشاور»، وذلك بعدما كانت «الراي» عكست في عددها الصادر يوم الأربعاء في تقرير بعنوان «لا مساعدات كويتية للبنان حالياً والقرار مرتبط بالمظلة الخليجية» موقفاً كويتياً يؤكد عدم التفرُّد بأي مسار حيال لبنان خارج إنجاز الاصلاحات وتحقيق الشفافية عبر حكومة اختصاصيين تحظى بثقة دولية وعربية مع التذكير بتنبيه المسؤولين اللبنانيين منذ أعوام لوجوب «توقف الاعتداء السياسي وغير السياسي على المملكة العربية السعودية» و«ضرورة إعادة العلاقات بين بيروت والرياض الى ما كانت عليه».
وفي هذا الوقت، كانت مصر تعطي إشارة دعم قوية للجيش اللبناني وقائده العماد جوزف عون الذي استقبله الرئيس عبد الفتاح السيسي.
وبحسب ما أعلنت قيادة الجيش اللبناني على صفحتها على «تويتر»، أن الرئيس المصري نوّه بدور المؤسسة العسكرية اللبنانية «في هذه المرحلة الدقيقة»، مثنياً على الجهود التي يبذلها العماد عون «في سبيل توفير الأمن والاستقرار للبنان».
بدوره شكر العماد عون الرئيس السيسي على دعم مصر المستمر للبنان وللجيش اللبناني.
كما التقى قائد الجيش اللبناني، القائد العام للقوات المسلحة المصرية وزير الدفاع والإنتاج الحربي الفريق أول محمد زكي، ورئيس الأركان الفريق محمد فريد.