لا تبدو السلطة مستعجلة التشكيل. فرغم الاجواء الايجابية التي تشيعها حول الاتصالات الحكومية التي عقدت بين رئيس الجمهورية ميشال عون والرئيس المكلف نجيب ميقاتي، لا يبدو ان الخرق قريب ولا الاتفاق في متناول اليد.
فبعد انطلاقة قوية مليئة زخما ونشاطا، بحيث زار ميقاتي القصر الاثنين بعد تكليفه، والثلثاء عقب الاستشارات النيابية غير الملزمة، والاربعاء حاملا صيغة اولية، والخميس لاستكمال البحث فيها مع رئيس الجمهورية بعد ان يكون الاخير درس تفاصيلها… خلص لقاؤهما الخميس الى اتفاق على الاجتماع مجددا الاثنين المقبل، أي بعد 3 ايام.
هذه الفترة طويلة نسبيا، بحسب ما تقول مصادر سياسية معارضة لـ”المركزية”، نظرا الى الاوضاع المعيشية المنهارة التي تعيشها البلاد والتي تتطلب تأليفا اليوم قبل الغد، ونظرا ايضا الى اقتراب ذكرى 4 آب. ففي هذا التاريخ الاليم، يستعد الشارع اللبناني لاحياء المناسبة التي فُجّر فيها نصفُ العاصمة بثوان، وسقط الآلاف بين قتيل ومصاب ومشرّد، بتحرّك شعبي واسع، يكثر الحديث عن انه قد يمهّد لثورة ثانية، لن تنتهي الا باقتلاع المنظومة، سيما وأن الاخيرة لا تزال تماطل في التجاوب مع التحقيقات الجارية في جريمة العصر، وترفض التعاون مع طلبات المحقق العدلي القاضي طارق بيطار.
لكن التاريخ العتيد لن يكون فقط للتظاهر ورفع الصوت داخليا، تتابع المصادر، بل إنه سيشهد ايضا مؤتمرا لدعم لبنان ستعقده باريس. وقد أعلنت وزارة الخارجية الفرنسية أن الرئيس إيمانويل ماكرون سينظم بالتعاون مع الأمم المتحدة مؤتمرا دوليا جديدا حول لبنان، في الذكرى الأولى للانفجار المروع الذي هز مرفأ بيروت، “لمساعدة اللبنانيين الغارقين في أزمة اقتصادية غير مسبوقة على الخروج من المأزق الذي يتخبط فيه البلد”.
4 آب اذا، محطّة مفصلية محليا ووازنة دوليا، يُفترض ان تُشكّل حافزا للمنظومة للتفاهم على تركيبة حكومية سريعا. فبذلك، يمكن ان تنفّس الغضب الشعبي الذي سينفجر بوجهها، عبر اعطاء الناس الموجوعين والمقتولين والفقراء والمنهوبين والمذلولين، اشارةً صغيرة الى انها تشعر بمعاناتهم وتحترمها، وقد اوقفت مماحكاتها وسجالاتها وشكّلت حكومة ستلجم الانهيار في الحد الادنى.
كما ان النجاح في التشكيل قبل المؤتمر الموعود، سيبيّض نوعا ما صورة الطبقة الحاكمة في لبنان في عيون الخارج، بعد ان فقدت ثقته في شكل شبه تام، وباتت في نظر عواصمه مشارِكةً في قتل شعبها وتعميق آلامه وتكبير أزماته، مبدّية مصالحها على حلّ مشاكله. لكن للاسف، الرئيس المكلف بنفسه استبعد التأليف قبل 4 آب، حتى انه رفض تقييد نفسه وتكليفه بأية مهل زمنية، ما يعني اننا قد نكون امام فترة مماطلة جديدة واستنزاف اضافي للبلاد والعباد.
الجدير ذكره ان التشكيل قبل 4 آب، كان ليتيح للبنان – الرسمي، فرصة الاطلالة على المنبر الدولي الفرنسي – الاممي، بصورة “شبه دولة”، عبر حكومة مكتملة الصلاحيات بعد عام من الشغور والفوضى السياسيين.
لكن قوى السلطة يبدو انها لن تحسن التدبيرَ والتقدير والقرارَ قبل 4 آب، ولن تتمكن من التفاهم على حكومة ما، إن لم يكن كرمى لشعبها، فكرمى لها صونا لماء وجهها امام المجتمع الدولي.