Site icon IMLebanon

إقتراح الحريري بين “الثورة” و”المسرحية” والدستور

كتب أكرم حمدان في “نداء الوطن”:

فتح الإقتراح الذي أعلن عنه الرئيس سعد الحريري في مؤتمره الصحافي في “بيت الوسط” منذ يومين حول تعليق كل المواد الدستورية والقانونية التي تمنح حصانة أو أصولاً خاصة بالمحاكمات، لرئيس الجمهورية، ولرئيس الحكومة، وللوزراء، وللنواب، وللقضاة، وللموظفين وحتى للمحامين، في ملف إنفجار المرفأ في الرابع من آب، الباب أمام الكثير من الأسئلة والإجتهادات والتحليلات حول هذا الإقتراح وتوقيته، فهناك من وصفه بـ”الثورة” كنائب رئيس مجلس النواب إيلي الفرزلي، وأنه “يحل مشكلة تاريخية لم تستطع فرنسا حلها حتى اليوم بسبب التناقض بين محاكم الرؤساء والوزراء والقضاء العادي”، وهناك من وصفه بـ”المسرحية التي تهدف للتغطية على التوقيع على العريضة وغايته السياسية واضحة بإطلاق النار السياسي على رئيس الجمهورية” كالنائب جبران باسيل الذي أعلن أنه يحضر كتاباً مع كتلته النيابية ليطلب فيه إلى رئيس المجلس النيابي الدعوة إلى عقد جلسة لرفع الحصانة.

وكان سبق باسيل إلى هذا المطلب رئيس حزب “القوات اللبنانية”سمير جعجع الذي دعا في بيان له “جميع الذين يطالبون برفع كل الحصانات إلى البدء بما هوعاجل وضروري وهو الطلب من الرئيس نبيه بري عقد جلسة عاجلة لرفع الحصانات عن كل الذين طلب قاضي التحقيق في جريمة المرفأ برفعها عنهم”.

وقد بدأت كتلة “المستقبل” جولة المشاورات حول إقتراح الحريري من مقر الرئاسة الثانية في عين التينة أمس، حيث أعلن بري دعمه وتأييده وكتلته للإقتراح ورفع الحصانات عن الجميع، منتقداً “التحريض غير المبرر على مؤسسة المجلس النيابي التي تعاطت منذ اللحظات الأولى مع هذه الفاجعة والمأساة الوطنية والإنسانية من موقع الحاضن لها ليس بإعتبارها أحد المتضررين من هذا الإنفجار الذي أوقع من موظفيه وحراسه عشرات الجرحى ودُمّرت أجزاء منه فحسب، إنما أيضاً من موقعه التشريعي فهو الذي بادرمع لجنة ذوي الشهداء وشرّع أمامهم الأبواب لأكثر من ثلاثة لقاءات وأصدر قانوناً يساوي شهداء المرفأ بشهداء الجيش اللبناني وكذلك تبنى حقوق الجرحى مع الجهات الطبية الضامنة وأصدر جملة من التشريعات المتصلة بالمناطق والأحياء المتضررة وكل ذلك هو أقل الواجب”.

وشدد على أن “أولوية المجلس النيابي كانت وستبقى التعاون التام مع القضاء من أجل معرفة الحقيقة كاملة وهي (أي الحقيقة) لا تحتمل “الزيادة ولا النقصان” ولا تحتمل تجهيل الفاعل وتضييع بوصلة الحقيقة فكما قلنا وكررنا مراراً نؤكد اليوم أن الحصانة فقط هي لدماء الشهداء وللقانون والدستور والعدالة، والمجلس النيابي في هذه القضية مع القانون من الألف إلى الياء وكفى تحريفاً وحرفاً للوقائع، إن المجلس النيابي وضمناً كتلة التنمية والتحرير على أتم الإستعداد لرفع الحصانات عن الجميع من دون إستثناء بما في ذلك عن القضاء الذي وضع يده على قضية النيترات منذ لحظة رسو الباخرة المشؤومة إلى لحظة حدوث الإنفجار، نعم مع تعليق كل الحصانات تماشياً مع الإقتراح الذي تقدمت به كتلة المستقبل”.

وختم بري: “أصابع الاتهام لا تُوجه إلى من تعاون وسيتعاون إلى أقصى الحدود مع القضاء، أصابع الإتهام يجب أن تُوجه إلى من يحاول الإستثمار على الدماء لأغراض باتت مكشوفة، حسبنا جميعاً قول السيد المسيح عليه السلام “تعرفون الحقيقة… الحقيقة تحرركم “.

وبمعزل عن المواقف،لا بد من التوقف عند النصوص المقترحة من قبل الحريري وحتى غيره من الكتل والنواب في وقت سابق على تفجيرالمرفأ بشأن رفع الحصانات، وكذلك لا بد من التذكير بالمسار الدستوري الذي يجب أن يسلكه هذا الإقتراح لأنه يتعلق بنصوص دستورية وتحكمه آليات محددة في الدستورلا يمكن تجاوزها.

بداية جاء في إقتراح الحريري أو إقتراحات الحريري التالي: إقتراح قانون يرمي إلى تعليق العمل بجميع مواد الفصل العاشر من قانون أصول المحاكمات الجزائية المتعلق بجرائم القضاة في كل ما يتعلق بالتحقيقات والمحاكمات في ملف إنفجار المرفأ، وكذلك تعليق العمل بنص المادة 61 من المرسوم الإشتراعي رقم 112/1959( نظام الموظفين) المتعلق بالموافقات المسبقة على ملاحقة الموظفين في كل ما يتعلق بالتحقيقات والمحاكمات في ملف إنفجار المرفأ وتعليق العمل بنص المادة 79 والمادة المضافة التابعة لها من القانون رقم 70/8 المعدلة بالقانون رقم 18/78 الصادربتاريخ 18/12/1978(تنظيم مهنة المحاماة) المتعلق بالإذن المسبق لمجلس نقابة المحامين لملاحقة المحامي وإستئناف القراروذلك حصراً في كل ما يتعلق بالتحقيقات والمحاكمات في ملف إنفجار المرفأ. ما تقدم يمكن بحثه وإقراره في جلسة نيابية عامة بصفة المعجل المكرر إذا إقتضى الأمر أو حتى بعد تسجيله في قلم مجلس النواب وإحالته على اللجان المختصة ودرسه تمهيداً لرفعه إلى الهيئة العامة للمجلس وفي أي وقت.

أما إقتراح تعليق العمل ببعض مواد الدستور اللبناني بصورة إستثنائية كما ورد في الإقتراح الثاني للحريري وكتلة “المستقبل” فله كلام آخر وهنا بيت القصيد.

فالإقتراح يطلب تعليق العمل بسبع مواد من الدستورهي: 40، 60، 61، 70، 71،72 و80 وهذه المواد جميعها تتحدث عن الحصانات وبالتالي فالإقتراح يعني بطريقة أو بأخرى تعديلاً للدستور وبالتالي يجب ان يسلك المسار الذي تفرضه المواد التي تُحدد آلية هذه العملية.

وقد جاء في طلب الحريري وكتلته إقتراح إعادة النظر في الدستورسنداً للمادة (77) منه.

وتنص على الآتي:”يمكن أيضاً إعادة النظر في الدستور بناء على طلب مجلس النواب فيجري الأمر حينئذ على الوجه الآتي: يحق لمجلس النواب في خلال عقد عادي وبناء على إقتراح عشرة من أعضائه على الأقل أن يبدي إقتراحه بأكثرية الثلثين من مجموع الأعضاء الذين يتألف منهم المجلس قانوناً بإعادة النظر في الدستور.

على أن المواد والمسائل التي يتناولها الإقتراح يجب تحديدها وذكرها بصورة واضحة، فيبلغ رئيس المجلس ذلك الإقتراح إلى الحكومة طالباً إليها أن تضع مشروع قانون في شأنه، فإذا وافقت الحكومة المجلس على إقتراحه بأكثرية الثلثين وجب عليها أن تضع مشروع التعديل وتطرحه على المجلس خلال أربعة أشهر وإذا لم توافق فعليها أن تعيد القرار إلى المجلس ليدرسه ثانية، فإذا أصرالمجلس عليه بأكثرية ثلاثة أرباع مجموع الأعضاء الذين يتألف منهم المجلس قانوناً، فلرئيس الجمهورية حينئذ إما إجابة المجلس إلى رغبته أو الطلب من مجلس الوزراء حله وإجراء إنتخابات جديدة في خلال ثلاثة أشهر، فإذا أصرالمجلس الجديد على وجوب التعديل وجب على الحكومة الإنصياع وطرح مشروع التعديل في مدة أربعة أشهر”.

وبمعزل عما ورد في المواد 76 و78 و79 لجهة المناقشة وحق إقتراح التعديل (ليس مجالها الآن)، فإن مضمون المادة 77 واضح لجهة أن طلب التعديل يجب أن يتقدم خلال عقد عادي للمجلس ونحن الآن في عقد إستثنائي، ما يعني ان طلب التعديل لا يمكن قبوله شكلاً وتقديمه قبل أول ثلثاء يلي الخامس عشر من تشرين الأول المقبل، كذلك فإن تقديم الإقتراح يحتاج أولاً إلى أكثرية الثلثين من مجلس النواب لكي يبلغ رئيس المجلس هذا الأمر إلى الحكومة التي تُعد مشروع قانون تعديل الدستورأيضاً باكثرية الثلثين وتطرحه على المجلس خلال أربعة أشهر، وهنا السؤال: إذا لم تشكل حكومة جديدة ونصل إلى عقد تشرين فمعنى ذلك أنه لا يمكن تقديم الإقتراح بالشكل؟؟ وإذا شاء القدر أن يكون عندنا حكومة جديدة فستكون الأولوية لبيانها الوزاري والثقة وما ينتظرها من أزمات قبل الوصول إلى البحث في تعديل الدستور؟؟وهل حكومة الأخصائيين يمكنها ان تبحث تعديلاً دستورياً؟؟

هذه بعض الأسئلة حول المسار الدستوري الذي ربما يصل إلى كباش بين السلطتين التشريعية والتنفيذية وفقاً لمنطوق المادة 77 من الدستور.

إقتراحات “القوات” وفضل الله

وللتذكير فإن تكتل “الجمهورية القوية”ممثلاً بالنائبين جورج عقيص وجورج عدوان تقدم في شهر كانون الثاني 2020، بإقتراح قانون لتعديل أصول المحاكمات أمام المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، لتضييق مفهوم الإخلال بالواجبات الوظيفية، بحيث تصبح أفعال الوزراء والرؤساء، موضوعة للمحاسبة أمام القضاء العادي، وهدف الإقتراح إلى تضييق الحصانات وحصرها بحدودها الدنيا، رغم القناعة بضرورة إلغائها نهائياً كما إلغاء المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، إلا أن ذلك يحتاج الى تعديل دستوري لا إلى اقتراح تعديل قانون.

وفي شهر كانون الأول من العام 2019 تقدم عضو كتلة “الوفاء للمقاومة” النائب حسن فضل الله بثلاثة إقتراحات قوانين لرفع الحصانات، وقد عرضت خلال جلسة عامة في نيسان عام 2020 وسقطت بالتصويت على صفة العجلة وأحيلت إلى لجنة برئاسة النائب إبراهيم كنعان.

وهذه الإقتراحات هي: إقتراح تعديل المادتين 70 و71 من الدستوربحيث تتم محاكمة الوزراء أمام القضاء العدلي في كل ما له علاقة بالفساد والهدر والجنح والجنايات، وإقتراح تعديل القانون 13/90 الذي ينظم عمل المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، ليُتاح للقضاء العدلي محاكمة الوزراء، وإقتراح رفع الحصانة عن جميع الوزراء منذ العام 1992 لتجري محاكمتهم أمام القضاء العدلي.