كتب عماد مرمل في “الجمهورية”:
لعلّه من المبكر نظرياً الخوض في الفرضيات المتصلة بمصير الانتخابات النيايية المقبلة ومجرياتها المحتملة، خصوصاً انّ الأحداث في لبنان والمنطقة متحركة، وما يصح الآن قد لا يصح بعد أشهر. ومع ذلك، بات واضحاً انّ جهات داخلية وخارجية بدأت تتحسب لهذا التحدّي منذ اليوم، وهي تحرص على مراعاة متطلبات خوضه في قراراتها ومواقفها، علماً انّ مبدأ حصول الانتخابات ليس محسوماً بعد في رأي البعض، بينما يجزم البعض الآخر بأن لا مفرّ منها.
بالنسبة إلى المرتابين في النيات، لن تتمّ الانتخابات النيابية المقرّرة في الربيع المقبل، وربما الرئاسية ايضاً، وهذا ما يفّسر- في رأيهم- جزءاً من أسباب النزاع الحاد على توازنات الحكومة المقبلة التي قد تناط بها السلطة في مرحلة الفراغ، كما حصل مع حكومة تمام سلام، التي تولت زمام الأمور بعد تعثر محاولات انتخاب رئيس جديد للجمهورية عقب انتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان.
ويفترض هؤلاء، انّ فريق الأكثرية الحالية لن يسمح بحصول «انقلاب ناعم» عليه وعلى خياره الاستراتيجي المتعلق بالمقاومة، من خلال استحقاق الانتخابات النيابية المقبلة، «خصوصاً انّ تلك الانتخابات لن تكون محلية فقط، بل انّ عواصم خارجية عدة ستواكبها وستتدخّل، فيها من خلال رعاية الوان محدّدة من المرشحين لتغيير المعادلة الداخلية، وهذا ما بدأت معالمه تلوح منذ الآن، بحيث لم يعد خافياً انّ هناك جهات دولية تراهن على أن تكون بعض قوى المجتمع المدني او مجموعات الثورة، هي المشروع البديل عن الطبقة السياسية التي انتهت مدة صلاحيتها واصبحت تشكّل عبئاً على الخارج بعدما كانت تفيده في خدمة مصالحه».
لقد صارت الانتخابات بالنسبة إلى جانب من المجتمع الدولي الوسيلة الأفعل لقلب التوازنات التي أرستها صناديق الاقتراع عام 2018، وذلك بأقل كلفة ممكنة ومن دون ترك بصمات نافرة، على أن تمهّد الضغوط الاقتصادية لتعديل مزاج الرأي العام، بعد اقناعه بأنّ تحالف العهد- «حزب الله» هو الذي اوصله الى الانهيار.
والمفارقة، وفق أصحاب هذه المقاربة، انّ العهد والحزب ليسا المعنيين فقط بتلك المواجهة المرتقبة في داخل صناديق الاقتراع، بل انّ مجمل الطبقة السياسية بفرعيها (8 و 14 آذار) ستكون على المحك، «إذ حتى من هم حلفاء تقليديون للغرب، أو أغلبهم على الاقل، فقدوا أهميتهم ومكانتهم لدى عواصم القرار لحساب خيارات جديدة اكثر نضارة وجاذبية أفرزها الحراك».
وبهذا المعنى، يلفت البعض الى انّ الخط الجديد الذي قد يخترق المجلس النيابي لن يكون جزءاً من لعبة المقايضات والتسويات التقليدية بين 8 و 14 آذار، وبالتالي سيصبح من الصعب احتواؤه وتكييفه مع قواعد اللعبة الشائعة، بل هو سيقدّم نفسه كمتمرد على الاتجاهين وعلى ثقافتهما السياسية.
ولأنّ انتخابات 2021 تكتسب كل هذه الدلالات والأبعاد، فإنّ لدى كثيرين اقتناع بأنّ المجتمع الدولي، المتحمّس لها اكثر من الناخبين أنفسهم، لن يسمح بتأجيلها تحت طائلة فرض عقوبات غير مسبوقة على رموز السلطة.
لكن من يرجح احتمال تأجيل الاستحقاق الانتخابي، يعتبر انّ اي عقوبات جديدة لم تعد تقلق المهدّدين بها، لانّ لا شيء ليخافوا منه او عليه، بعدما استهدفت العقوبات الأميركية رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل و»قُضي الأمر»، اما «حزب الله» فلا يوجد ما يخشاه وهو الذي تعرّض عبر السنوات ولا يزال الى كل انواع العقوبات.
في مقابل هذا السيناريو، تؤكّد اوساط سياسية قريبة من قوى 8 آذار، انّ الانتخابات النيابية ستتمّ وفق روزنامتها الدستورية، وانّ الامين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله لم يكن يناور عندما أعلن في احد خطاباته عن التمسّك بحصول الانتخابات في موعدها.
وتشير تلك الاوساط، الى انّ هناك اطمئناناً عند الحزب و»أمل» الى صعوبة ان يحقق المنافسون او الخصوم اختراقات واسعة في البيئة الشيعية التي ستؤكّد مرة أخرى ثباتها على خياراتها الكبرى وانحيازها اليها بمعزل عن تنوع الاجتهادات في الملفات الأخرى.
كذلك، تلفت الاوساط إيّاها الى انّ وضع «التيار الوطني الحر» في الساحة المسيحية ليس بالضعف الذي قد يتهيأ للبعض، «لاسيما بعدما تمكن الرئيس ميشال عون والنائب جبران باسيل خلال الاشهر الأخيرة من إعادة استنهاض قواعد التيار وجزء من الجمهور المسيحي في معركة الدفاع عن الحقوق، الى جانب انّ باسيل يتعمّد إخفاء اوراق قوية في جعبته ومن المتوقع ان يفرج عنها عند انطلاق المبارزات الانتخابية».
وبمعزل عن حقيقة موازين القوى الشعبية على مسافة أشهر من الامتحان الانتخابي، تشير الاوساط الى انّ التجارب أثبتت ان لا قيمة عملية لمعادلة الأكثرية والاقلية في لبنان، إذ انّ مفعولها وتأثيرها ينتفيان أمام اختراع الديموقراطية التوافقية التي تُحتّم التفاهم الوطني حول الأمور الاساسية، بغض النظر عمّن يمثل الأكثرية والاقلية في المجلس، وبالتالي لا مبرّر للدفع نحو إرجاء الانتخابات التي قد يكون ثمن تأجيلها اكبر من ثمن إجرائها اياً تكن النتيجة التي ستتمخض عنها.
وإضافة الى ذلك، تلاحظ الاوساط، انّ الأكثرية الحالية على سبيل المثال ليست جسماً متمسكاً بل مشلَّعة الأبواب، ولكل من أطرافها حساباته وتحالفاته، وهي لا «تُصرَف» او تُسيّل سياسياً الّا في ما ندر.
وامام كل هذه الوقائع، تستنتج الاوساط، انّه لن تطرأ تغييرات جذرية على تركيبة المجلس الجديد، وبالتالي فإنّ الحزب وحلفاءه ليسوا مضطرين الى الضغط في اتجاه إرجاء الانتخابات، ولن يتحمّلوا هذه المسؤولية أمام الداخل والخارج.