Site icon IMLebanon

اللحظة الحاسمة بين العرش والنعش

كتب جوزف الهاشم في “الجمهورية”:

كلّفوه تأليف الحكومة… وما كلَّـف الله نفْساً إلاّ وسْعَها.. وقبلَـهُ كلّفوا مَـنْ هو على صورتِه ومثالِه، فكانت النفوسُ أمَّـارةً بالسوء

منذ تسعة أشهر، حبلتْ بالحرام خارج المخدَعِ الزوجي، ولأنّها خشيَتْ أنْ تضـعَ مولودَها في المستشفى الحكومي مخافة أنْ تتعرّض لجريمةِ الشرف، أسقَطتِ المولود في شهرها التاسع.

هي نفسُها التي كتبتْ كتابَها على الرئيس نجيب ميقاتي، فهلْ تنام في مـخْدع التأليف على حريـر الحريري…؟

كلّفوه… والتكليف أصبح مـزْحة دستورية، مثلما هي الإستشارات النيابية الملزمة، التكليف لا يُلزم التأليف، والتأليف لا يلتزم الدستور، ما دام الذي يـؤلّف: رئيسُ الحكومة المكَّلف ورئيس الجمهورية بالتكليف.

ماذا…؟ لو انتصبتْ في وجـه هذا التكليف الشروطُ الثلاثة نفسها التي تهـدّد بالطلاق: وزارة الداخلية، الثلث المعطل، تسمية الوزيرين المسيحيين، وتستمر لعبةُ المخادعة الساذجة: لا نسمّي في التكليف، لا نشترك في التأليف، لا نمنح الثقة… ومع هذا ننـالُ ثمانية وزراء باسم رئيس الجمهورية كأن رئيس الجمهورية طيّـارٌ فضائيٌ فوق التيّـار…؟

عندما يتمثّل التيار الوطني الحـر في الحكومة باسم رئيس الجمهورية تكون الميثاقية متوافرة بالتمثيل المسيحي بواسطة نائب الفاعل.

هل يصحُّ أن نظل محكومين بالبِـدَعِ الخادعة، وأنْ يبقى المصير المضرّج بالموت معلّقـاً على حبْـل الهوَسِ الهستيري، هذا الذي يفسّره «فرويد» في كتابه «أبحاث في الهستيريا» ويقترح لمعالجته التنويم المغناطيسي…؟

إذا استمر هذا الجنون، فلأيِّ دولـةٍ يؤلفون الحكومة…؟

لأيِّ وطـنٍ، وأيِّ شعب…؟

الوطن ضائعٌ في متاهات التاريخ.

الدولة يتبعثر فيها الناس جماهيرَ مشرّدة تقرع أبواب اللّجوء.

والشعب، الشعب اللبناني العظيم المعظّم، أصبح يعيش في سراديب الموتى التي كان يلجأ إليها المسيحيون في روما هرباً من نيرون.

هذا الشعب العظيم الذي كان طموحه كمثل طموح نابوليون يحاول أن يفتَـتح السماء من بعد فتْـحِ الأرض، أصبح أقصى طموحهِ أن يحظى برغيف خبزٍ على ضـوء شمعـةٍ خافِت… هي الشمعةُ نفسها التي تـدور حولها الفراشة وقد جذبها الضوء ولا تدري أن هذا الضوء يُحرقها.

أخطر مؤشِّـر على سقوط الدولة، حين يستعطي جيشها دولاً خارجية وهو يخوض حرباً ضاريةً مع جيش الجـوع.

إذا لم يكنْ هناك دولةٌ وشعب، لمـن إذاً يؤلفون الحكومة…

إلاَّ إذا كنّا نعيش في دولةِ المسيح الذي مملكته ليست من هذا العالم، أو في دولة النبيّ حيث لـمْ يكنْ في الإسلام دولةٌ ولا خليفة (وأمْـرُكمْ شورى بينكم)، بل كان النبيّ وحـده يسنّ الشرائع المستوحاة من كتاب اللـه.

هل يعلم الأنبياء الكذَبَـة، أنَّ هذا الشعب لمْ يعدْ يعلِّقُ على حكَّامهِ أيَّ أملٍ خلاصيّ، بقدر ما يرقُبُ بصيص الأمل من المجتمع الدولي.

وإِنَّـه من مفارقات العار أنْ يعلن رئيس الحكومة المكّلف أنـه في مهمته الحكومية «يعتمد على الضمانات الخارجية» لتذليل عقدة التعطيل المحلي…؟

أمام هذا الهول الوطني لـمْ يعد من مجالٍ للمراوغةِ الخادعة وخبائث المواقف بين «اللاَّ والنعَم»: لأنّ رُبَّ «نعـمٍ» في لحظةٍ تاريخية قد تحفظ وطناً وتنقـذُ شعباً وتبيني قبابّـاً فوق رُكام، ورُبَّ «لا» قد تهدم الشوامخ وتدكُّ البواذخ، تدحرج رؤوساً، تقوِّض عروشاً، وتقضي على مصير أُمَـم.

إذا طغتْ «اللاَّ» في هذه اللحظة التاريخية الحاسمة، إذْ ذاك لـنْ يكون الإصلاح والتغيير إلا منْ فوق حين يصبح الذي فوق أدنى من تحت، وحين يصبح العرش أشبهَ بالنعشْ.