البقاع: حسين درويش – بيروت: إيناس شري
تشهد المعابر الحدودية غير الشرعية مع سوريا مؤخرا حركة متزايدة لتهريب الأشخاص ولا سيّما من معبر عرسال – فليطة في البقاع الشمالي ومعبر الصويري – بركة الرصاص في البقاع الغربي حسب ما يؤكّد سكّان القرى الحدودية، مشيرين إلى أنّ الحركة تتركّز بشكل أساسي على دخول الأراضي اللبنانية.
ويشير مصدر أمني إلى وجود 20 معبرا ناشطا على خط التهريب في البقاع أبرزها في منطقة الهرمل – البقاع الشمالي حيث يوجد 15 معبرا تحمل أسماء العشائر كمعبر العريضة ومطربا وجرماش وحوش السيد علي وناصر الدين والحاج حسن وعواد مضيفا في حديث مع «الشرق الأوسط» إلى أنّ هذه المعابر غير مخصصة فقط لتهريب البشر، بل أيضا لتهريب المازوت والبنزين والمواد الغذائية والمحروقات والسيارات المسروقة.
ويوضح المصدر أنّه في الآونة الأخيرة نشط معبران مخصصان لتهريب الأشخاص وهما معبر عرسال فليطة ومعبر نحلة بعلبك على محور بعلبك والبقاع الشمالي، بالإضافة إلى معبر بركة الرصاص – جبل الصويري في البقاع الغربي، الذي شهد وفاة عشرات الأشخاص بينهم نساء وأطفال خلال محاولاتهم الهروب عبره من القوى الأمنية ولا سيما في فصل الشتاء، بعد تركهم لمصيرهم من قبل عصابات التهريب.
أما فيما يخصّ السلسلة الشرقية لجبال لبنان بدءا من أطراف عرسال حتى الحدود على المصنع والتي تمتد على طول 36 كيلومترا، وحسب المصدر، فالحدود مضبوطة بشكل كبير ومراقبة من خلال غرف وأبراج مجهزة بكاميرات حرارية وأحدث أجهزة المراقبة من قبل الجيش اللبناني وعبر فوج الحدود البري، وترتبط السلسلة ببعضها البعض بطرقات إسفلتية مضاءة.
ويشير المصدر إلى أنّ الحركة الأكثر نشاطا على خط تهريب الأشخاص هي من سوريا إلى لبنان إذ يقدّر عدد الأشخاص الذين يدخلون يوميا عبر المعابر الحدودية غير الشرعية في منطقة البقاع بنحو 400 شخص فيما يبقى عدد المغادرين إلى سوريا أقلّ بكثير.
وتدير عملية تهريب الأفراد عبر المعابر الحدودية عصابات محترفة تضم أفرادا سوريين ولبنانيين على دراية جيدة بتشعبات المعابر الوعرة كما يؤكّد مصدر مطلع في المنطقة الحدودية، مضيفا في حديث مع «الشرق الأوسط» أنّ هذه العصابات تتقاضى على الشخص 50 دولارا أو ما يعادلها بالعملة اللبنانية وأنّ هذا المبلغ كان أكثر قبل أزمة «كورونا» وانهيار قيمة الليرة اللبنانية والسورية على حد سواء وأنّه كان يتجاوز الـ100 دولار، ولكنّ انهيار الليرة أثّر حتى على مردود تجارة تهريب الأشخاص.
ويرجع أستاذ السياسات والتخطيط في الجامعة الأميركية في بيروت والباحث في شؤون اللاجئين ناصر ياسين تزايد تدفق السوريين إلى لبنان عبر المعابر غير الشرعية إلى سوء الوضع الاقتصادي في سوريا، إذ يتجه السوريون إلى لبنان إمّا بهدف البحث عن فرصة عمل انطلاقا من أنّه رغم الأزمة الاقتصادية الصعبة التي يعيشها لبنان يبقى الوضع أقل سوءا بالنسبة إلى السوريين من بلادهم، وإما بهدف الانطلاق من الشواطئ اللبنانية إلى أوروبا عبر المراكب غير الشرعيّة.
ويشير ياسين في حديث مع «الشرق الأوسط» إلى أنّ معظم اللاجئين السوريين في لبنان فقدوا الأمل بعودة قريبة إلى سوريا بسبب الأوضاع الاقتصادية والسياسية هناك ولم يعد باستطاعتهم الاستمرار في لبنان في ظلّ الأزمة الاقتصادية فلجأوا إلى الهروب عبر البحر إلى أوروبا وهذا ما بدا واضحا مؤخرا من خلال عمليات التهريب عبر الشواطئ اللبنانية والتي أحبطتها السلطات اللبنانية العام الماضي وبداية العام الحالي وشكّل السوريون النسبة الأكبر من الأشخاص الذين كانوا على متن قواربها غير الشرعية.
وكانت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أشارت في دراسة نهاية العام الماضي إلى أنّ السوريين في لبنان يعيشون مأساة حقيقيّة في ظلّ الأزمة الاقتصادية الحادة التي تعاني منها البلاد، لافتة إلى أنّ نسبة الفقر في صفوفهم قاربت الـ90 في المائة، بينما تضاعف عدد الأسر التي تعتمد أنظمة غذائية غير كافية، كما بات معظم الأطفال في سنّ التعلّم خارج المدارس وبعضهم في سوق العمل.
ويشكل النازحون السوريون نحو ثلث سكان لبنان الذي يستضيف أكبر عدد من اللاجئين السوريين نسبة إلى عدد سكانه، حيث تقدر الحكومة وجود 1.5 مليون لاجئ سوري، لا يتعدى عدد المسجلين منهم لدى مفوضية الأمم المتحدة الـ885 ألفاً.
وأدّى الوضع الاقتصادي الصعب بحسب المفوضية إلى تراكم الديون على الأسر اللاجئين السوريين في لبنان، إذ إن متوسط هذه الديون ارتفع بنسبة 18 في المائة العام الماضي وأنّ السبب الرئيسي للاستدانة كان شراء الطعام (93 في المائة)، يليه الإيجار (48 في المائة) والأدوية (34 في المائة).
«الحديث عن حلم الوصول إلى أوروبا عبر الشواطئ اللبنانية بات حديثا شائعا في مخيمات اللجوء السورية، فالوضع الاقتصادي في لبنان وانهيار قيمة الليرة اللبنانية أفقد ما يتقاضاه السوري كما اللبناني أكثر من 90 في المائة من قيمته وذلك في وقت تشهد سوريا أزمة اقتصادية صعبة جعلت العودة كابوسا» كما يقول أحد اللاجئين السوريين المقيم في واحد من مخيمات البقاع، مضيفا في حديث مع «الشرق الأوسط» أنّ دخول السوريين اللاجئين في لبنان إلى بلادهم بطريقة غير شرعية غالبا ما يكون بهدف الزيارات العائلية فقط.
أمّا عدم توجهم عبر المعابر الشرعية فيعود، وحسب ما يؤكد، بشكل أساسي إلى سببين أولهما مادي وهو عدم قدرتهم على تأمين الـ100 دولار التي تجبرهم السلطات السورية على تصريفها عند الحدود بحسب سعر الصرف الرسمي لليرة السورية، فضلا عن إجبارهم على إجراء فحص «كورونا» والذي لا تقلّ تكلفته عن 100 ألف ليرة لبنانية (66 دولارا على سعر الصرف الرسمي).
أمّا السبب الثاني فيتعلق بخوفهم من أن تعرف المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بدخولهم الأراضي السورية ما يحرمهم من المساعدات الشهرية التي يحصلون عليها.
بالإضافة إلى ما تقدّم يكرّر اللاجئون السوريون أسبابا أخرى تدفعهم إلى الدخول بطريقة غير شرعية إلى سوريا منها أن إقامة بعضهم منتهية الصلاحية أو الخوف من أن يعرف الأمن السوري بدخولهم، مشيرين إلى أنّ الدخول غير الشرعي إلى سوريا يحتم بطبيعة الحال العودة بالطريقة غير الشرعية نفسها.