من لحظة تكليف الرئيس نجيب ميقاتي بدا وكأن عصا سحرية اخترقت صالونات السياسيين. لا اعتراضات، لا شروط ولا حتى وجوه مكفهرة. حتى عقبة الوزيرين والشروط التي “كربجت” ولادة حكومة الرئيس المكلف السابق سعد الحريري سقطت أو ربما “جُمّدت” من منطلق الإيجابية التي تكلم عنها الرئيس ميقاتي في نهاية الاستشارات الملزمة وغير الملزمة. ومن لقائه الأول مع الرئيس ميشال عون أكد أن معظم اقتراحاته التي قدمها للرئيس “لاقت قبولاً”، وتعهّد بالأخذ بكل ملاحظاته وتشكيل الحكومة بأقصى سرعة.
لكن مع تقدم ساعات التشكيل عادت عقارب “الأخذ والرد” لتتوقف عند موضوع الحقائب ومن أبرزها عقبة الطائفة التي ستتولى وزارة الداخلية. مع ذلك بقي الرهان على الإسراع بتشكيل الحكومة وإن “فرمل” كلام ميقاتي موعد ولادة الحكومة التي كان امل بأن تكون قبل ذكرى تفجير المرفأ في 4 آب” على أن يبدأ الحديث عن أسماء أعضاء الحكومة، اعتبارا من الاثنين المقبل”.
نية تقديم الحكومة اشارة رمزية لأهالي الضحايا واللبنانيين قبل تاريخ الفاجعة في 4 آب لم يقتصر على الرئيس المكلف. نواب التيار قالوها أو تمنوا ذلك بحسب النائب في كتلة “لبنان القوي” روجيه عازار الذي أوضح عبر “المركزية” “أنه خلال لقاء الإستشارات غير الملزمة تمنينا على الرئيس المكلف أن تتشكل الحكومة قبل تاريخ ذكرى تفجير المرفأ في 4 آب فتكون بمثابة هدية لأهالي الضحايا. فكان رده “انشالله خير”. لكن كلامه في الأمس يؤكد أن الموعد سيتأخر ربما لأيام لتذليل كل العقبات”.
لعل الهدية التي ينتظرها أهالي الضحايا كما كل اللبنانيين أن ترفع الحصانات عن النواب والمسؤولين والقادة الأمنيين للمثول أمام القضاء العدلي وصولا إلى حقيقة من فجر المرفأ. واستطرادا، نفى عازار ان تكون أمنية نواب التيار بمثابة جائزة ترضية أو هدية “لإسترضاء خواطر أهالي الضحايا”، وقال: “الكتاب الذي وجهناه في الأمس إلى مجلس النواب ومطالبتنا برفع الحصانات من دون استثناءات متقدم على مشروع كتلة المستقبل ونحن كنا من أول المطالبين بالحقيقة وأول من اعترض على قرار عدم رفع الحصانات عن النواب. وفي أول اجتماع للجنة العدل مع هيئة مكتب مجلس النواب طالبنا رئيس المجلس النيابي نبيه بري بالذهاب إلى جلسة لرفع الحصانة ولن نقبل بأقل من ذلك. نحن لا نغطي أحدا ولكن كنا نتمنى من باب فتح كوة أمل في جدار الظلام الذي يخيم على الوضع في البلاد لا أكثر ولا أقل”.
وفي موضوع المشاركة والشروط ومن بينها الثلث المعطل قال عازار: “أبلغنا الرئيس المكلف في العشاء الذي أقيم على شرفه في منزل رئيس التيار النائب جبران باسيل أننا لن نشارك ولا شروط لدينا، ولديه شريك دستوري هو الرئيس ميشال عون لأننا لا نريد أن نتحمل وزر النتائج من جديد. وأبدى تجاوبه بالكامل وكان منفتحا إلى أقصى حد وقال “أحترم رأيكم”.”
وأضاف عازار: “نحن كما كل اللبنانيين مؤمنون أن الحكومة في حد ذاتها ليست الحل إنما في الإصلاحات التي ستعمل عليها. من هنا نعتبر أن الإسراع في تشكيلها ضرورة ملحة لأنها تشكل خطوة الألف ميل للذهاب إلى البنك الدولي والصناديق الأوروبية وهناك الكثير من الملفات العالقة في انتظار الإصلاحات سيما وأن أية مساعدة ستكون ضمن شروط خصوصا من قبل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والرئيس ميقاتي مدرك ومتفهم لذلك وسنكون إلى جانبه. المهم أن ينجح في تشكيل حكومة من الإختصاصيين للبدء بالإصلاحات”.
من يراقب حركة الرئيس المكلف يلمس أنه يتعامل مع العقبات “بمرونة ودبلوماسية”، واللافت أن كل الأطراف التي كانت تقف حجر عثرة في وجه تشكيل الحكومة خلال تكليف الرئيس الحريري يستعجلون ولادة الحكومة اليوم قبل الغد حتى أن مسلك الاتصالات باتجاه التشكيل يسير بخطى سريعة، فيما الرهان يبقى على النتائج. فهل اختلفت المقاربة في الشروط الدستورية مع الرئيس ميقاتي؟ يشير عازار “المشكلة مع الرئيس الحريري كانت واضحة، إذ تبين أنه عاجز عن تشكيل حكومة بسبب تردي العلاقة مع المملكة العربية السعودية ودول الخليج. اليوم هناك جو دولي وإجماع على الرئيس ميقاتي وإلا لم يكن ليصر على تأليف حكومة بأسرع وقت ممكن كما يقول. أما بالنسبة إلينا فلم ندخل في تفاصيل علاقة الرئيس المكلف مع السعودية ولا حتى مع دول الخليج”.
ويختم عازار: “الوضع اليوم مختلف تماما ولا أساس للمقاربة مع تلك المرحلة. أضف إلى ذلك أن الرئيس ميقاتي سينطلق من الصفر وهو يتواصل بشكل دوري وشخصيا مع رئيس الجمهورية. فلننتظر الأيام المقبلة قبل أن نحكم على النتائج في مسألة تشكيل الحكومة. وأنا متأمل ومتفائل خيرا”.