كتبت ريتا بولس شهوان في “نداء الوطن”:
لا حياة لمن يتّصل بالخط الساخن لحماية المستهلك (1739) أو بوزارة الاقتصاد للمراجعة أو الشكوى. وهذا الخطّ، اليوم، هو “حاجة” للمستهلك في ظلّ الفوضى العارمة التي تمسّ أمنه الغذائي وحياته اليومية التي انقلبت رأساً على عقب. ومع طلب وزير الاقتصاد راوول نعمة تبديل الأسعار نسبة إلى انخفاض أسعار الصرف، جالت “نداء الوطن” على عدد من السوبرماركات في المتن، وكسروان، وجبيل لتقارن وتعاين مدى الالتزام بطلبه، فوجدت حججاً لدى أصحاب بعض المتاجر لتسويغ عدم تعديل الأسعار بعد؛ لأنَّ “لائحة المنتوجات كبيرة” أو لأنَّهم “سيفعلون ذلك في الأيام القادمة”. وخلال هذه الأيام لا يعرف المواطن إن كان سيعود سعر الصرف إلى الارتفاع أم لا. وبينما هو ينتظر الفرج يتخطّى الفرق في أسعار زيت دوّار الشّمس، من ماركة واحدة مثلاً، بين المتن وجبيل الـ 37 ألف ليرة، والجبنة من النوع نفسه 5 آلاف ليرة بين كسروان والمتن، والنسكافيه بين المتن وجبيل وكسروان 27 ألف ليرة؛ أمَّا الحبوب – حيث لكلّ متجرٍ ماركته الخاصة – فيصل الفرق بين المناطق الثّلاث إلى 20 ألف ليرة، في حين أنَّ المعكرونة من علامات تجارية مختلفة يصل الفرق فيها إلى الـ 15 ألف ليرة، وينسحب الأمر نفسه على الحفاضات من العلامة والمواصفات نفسها، وعلى موادّ التّنظيف أيضاً.
وينعكس هذا الواقع على نفسيّة المواطن اللبناني الَّذي بات يشعر أنَّه يرزح تحت همٍّ لا يمكنه تخطّيه، ولئن كان لا ينفع الكلام بنظر بعض المواطنين، فإنَّهم يتكلّمون بعد أخذٍ وردٍّ. فيخبر طوني (كسروان) أن هناك فرقاً كبيراً في الأسعار بين نهار وآخر، فتتغير تبعاً لتغيّر أسعار الصرف، وتختلف بين سوبر ماركت وآخر. وبما أنَّه لا يُمكن تعميم المقاطعة للتأثير في الأسعار انخفاضاً، فقد أصبح المواطن مجبراً على التأقلم مع تبدّلات الأسعار الجنونيَّة؛ فثمَّة موادّ غذائية أساسية يجب تأمينها في المنزل مهما يكن، وبذلك كلّما كبر عدد أفراد العائلة زاد المصروف كحال جان الذي يتوجّه إلى المتجر الأرخص، هذا إن كان المبلغ الذي سيوفّره يستحقّ بنظره هذا العناء، مستغرباً كيف أنَّ وزارة الاقتصاد في كسروان لا تداهم المتاجر المخالفة بالمقارنة ببيروت، ويعلّل الأمر بأنَّ “أبناء المنطقة لا يشتكون”. أمَّا سوزان (كسروان)، فتُؤكّد – من خلال المتابعة اليومية – أنَّ هناك فرقاً كبيراً بين متجر وآخر؛ فهناك متاجر من الأساس أسعارها مرتفعة أكثر من غيرها، وعندما تواجه الإدارة يقولون لها إنَّهم لم يرفعوا الأسعار بنسبة كبيرة مشيرة إلى أنَّها لا تفهم ماذا يعنون بالكبيرة. وتلفت إلى أنّه في بعض الأحيان تتحوّل المنتوجات التي اقتربت نهاية صلاحيتها إلى “عروض” مخفضة الأسعار، لكنَّ هذا لا يعني أنَّ التجار يريدون الخير للمستهلك، فمعظم الأسعار لم تهبط عندما عاد سعر الصرف إلى الهبوط، حتّى إنّها تعجب من “الحدث العظيم” بعد رفع الدعم تقريباً ألا وهو ظهور بعض المنتوجات المدعومة كالبنّ، وهذا إن يدل على شيء فإنَّما يدلّ على أنَّ هناك تخزيناً بانتظار أن يرتفع سعر الصرف فترفع الأسعار، فيبيعها التّجّار بأسعار أعلى.
ولا يمكن، وفق الباحث في الدّوليّة للمعلومات محمّد شمس الدّين، فهم تبدّل الأسعار أفقيّاً أي نسبة إلى سعر الصرف أو عموديّاً نسبة إلى سوبر ماركت وآخر؛ إذ إنّه أحياناً يختلف السعر في اليوم الواحد بنسبةٍ تفوق 10 آلاف ليرة للمنتج نفسه ليصل إلى 70 ألفاً وما فوق، وبنظره أنَّ هذا يعود إلى التسعير، ويعتمد الأمر على أي سعر صرف يتم اعتماده للتسعير. ويعني هذا عملياً أنَّ هامش الربح أكبر، إذ يبيع التاجر على الليرة اللبنانية بأكثر ممّا اشتراه، وهو ما يفسّر سبب حصول كلّ هذه الفوضى لانعدام الرقابة؛ فكل متجر يعتمد سعر صرفٍ كما يريد؛ لذا هناك تباين في الأسعار سيستمرّ مدَّةً طويلة جدّاً ما دام الاستقرار في سعر الصرف مفقوداً.
ويرفع جورج (جبيل) الصوت قائلاً: “الله يساعد من راتبه محدود”؛ فالأسعار لا تتبدّل إلّا صعوداً حتى لو اختلف الأمر بين متجر وآخر، فبالنسبة إليه يُركّز على أن يقصد مكاناً واحداً هو الأقرب إليه لندرة البنزين. ويشكر الله أنَّ المسألة عنده مقتصرة على الأكل والشرب بدون الطبابة؛ إذ يمكن سدّ الجوع بخبزة، لكنَّ فاتورة المستشفى ضخمة، وتلك قد تسبّبها كورونا التي تمنع مارك (جبيل) من تمضية يومه بين المتاجر لإيجاد المنتوج الأرخص؛ لذا فهو يقتصد في عملية الشراء كما هي حال مروى (جبيل) التي تتبضّع مرتين شهرياً، فإمكاناتها لا تسمح لها بأكثر من ذلك. وتعجب من واقع رفع الأسعار علماً أنَّ سعر الصرف تبدّل انخفاضاً متّهمة الدولة اللبنانية بالاحتكار، وبأنَّ هناك لعبة ما من التجار الكبار الذين يحوّلون المستهلكين إلى ضحايا. ويرى ربيع (جبيل) أنَّ هذا الصوت لن يصل إلى أيّ فرد من أفراد الطبقة السياسية؛ لأنَّ وزارة الاقتصاد ببساطةٍ غائبة؛ لذا يتغاضى عن بعض المنتجات، ولكنَّ الفاتورة مع كلّ هذا التقشف لا تقلّ عن مليون ليرة.
فهذه الفوضى في الأسعار ليست قائمةً بين متجر وآخر فحسب، بل بين منطقة وأخرى حسب مريم (متن)، ولكنّها تُشدّد على أنَّ التّلاعب بالأسعار متكرّر أكثر من غيره على صعيد بعض المنتوجات وخصوصاً المنتوجات الغذائية، “فالعين مفتوحة عليهن” شارحة أنَّ كلَّ سوبر ماركت يعدّل في القيمة النهائية من جدواه الاقتصادية وفق منطق الربح والخسارة، فيغيّر الأسعار على أساسها، وهذا يعني عملياً أنَّ الجميع يتلاعب بالأسلوب نفسه، وعلى المستهلك أن يكون أذكى منهم، ويشتري ما يحتاجه “على القطعة”؛ لأنَّ هذه استراتيجية التجّار لجذب الزبائن. والدليل؟ وفق مريم هو أنه في الطوابق الأخرى من السوبر ماركت التي فيها موادّ غير غذائية لا ترتفع الأسعار ولا تبدّل إطلاقاً قائلة: “إذا كان لا نيّة صادقة لتخفيض الأسعار، فيعوضون بين منتج وآخر”.
ويؤكّد الخبير الاقتصادي طوني سعادة أن لا نظرية اقتصادية لدراسة ما يحصل، ولا كلمة تصفه إلّا “الفوضى” اليومية، ولضبط الأمور تحتاج وزارة الاقتصاد إلى فريق عمل ضخم، وهذا غير متوفّر؛ وخصوصاً أنّ تقلبات سعر الصرف هي التي أفسحت المجال لتتمدّد الفوضى التي تتفوق على المنطق الاقتصادي. ولذلك أصبح المستهلك غير قادر على تحديد ميزانيته الشهرية؛ إذ يعتمد سعر الصرف على الأخبار السياسية المتداولة والتطبيقات الخاصّة بالدولار.