كتب د. أنطوان الشرتوني في “الجمهورية”:
كل يوم، يتعلم الطفل، مهما كان عمره، كلمات. هذه الكلمات ستشكّل الجمل التي من خلالها يعبّر هذا الطفل عن حاجياته أو تطلعاته. ومن أولى الكلمات التي يتعلّمها الطفل هي «نعم» و «لا». في بادئ الأمر، لا يفهم جيداً الطفل مبدأ كلمة «لا»، أي قبل عامه الثالث، يعتبر الطفل هذه الكلمة نوعاً من التحدّي أو لعبة يستعملها مع أهله. لذا من المهم أن يفهم الأهل مبدأ إستعمال كلمة «لا» عند الطفل.
يبدأ الطفل بإستعمال كلمة «لا» إبتداءً من ثاني أو ثالث عام كحدّ أقصى. فكلمة «لا» ومشتقاتها مثل «لا أريد»، «أرفض» أو السلوكيات التي تدل الى معنى الرفض هي من أكثر الكلمات أو التصرفات الشعبية عند الاطفال التي تصبح كلعبة يستعملها مع والديه. وعادة الطفل الذي يرفض كل شيء من حوله، هو ينتمي إلى عائلة تستعمل أيضاً وبكثرة كلمة «لا» معه. ومثال على ذلك، عندما تستعمل الأم الجمل التالية: لا تركض»، «لا تأكل الكثير من الشوكولا»… أو عندما يدخل الأب كلمة «كلا» في يومياته: «لا تتشاجر مع إخوتك وأخواتك»، «لا تفعل ذلك»…
دور الأهل في البيت
دور الأهل أساسي في الحدّ من استعمال كلمة «لا» مع الطفل الذي يُطرح عليه أسئلة ويُنتظر منه الـ»نعم». لذا يجب الإنتباه الى نوعية الأسئلة التي يمكن أن نطرحها على طفلنا. وعندما يواجه الأهل مشاكل مع طفلهم الصغير حول إستعمال كلمة «نعم» أو «لا»، يجب إتباع النصائح التالية:
– التعرف على شخصية الطفل، ويعني ذلك معرفة ما هي حاجياته ومتطلباته. عندما تكتشف الأم الناحية السلوكية للطفل، وعندما يعرف الأب ما هي توجّهات طفله، يمكنهما الحدّ من إستعمال كلمة «لا» خلال مخاطبة الطفل.
– التقليل من إستعمال كلمة «لا» من قِبل الأهل. فعندما يطلب الأهل سلوكاً معيناً من الطفل، يجب الإنتباه الى طريقة التخاطب معه، أي الإبتعاد عن الجمل السلبية المكوّنة من كلمة «لا» والعدوانية اللفظية… هذا لا يعني ألّا يوجّه الأهل ملاحظات لطفلهم. بل العكس صحيح، إذ إنّ الطفل بحاجة الى تلك الملاحظات، ولكن يجب أن تكون بنّاءة وإيجابية.
– التخفيف قدر الإمكان الأسئلة التي تتطلب إجابة «نعم» أو «لا». فالكثير من الأهل يطرحون أسئلة، تدفع الطفل إلى إستعمال كلمة «لا» وبشكل أوتوماتيكي: «هل تريد أن تلعب خارج البيت؟»، لذا من الأفضل أن يُطرح السؤال بالشكل التالي: «كم من الوقت تريد أن تلعب؟»، أو إستبدال السؤال «هل درس الحساب كان سهلاً؟ بالسؤال التالي: «ما رأيك في درس الحساب؟» أو حتى «هل تريد أن ترافقنا في النزهة؟» بالجملة التالية: «لنذهب في نزهة!». ولكن يجب أيضاً الإنتباه الى أن تكون للطفل مساحة للتعبير وللقرار وحرية الإختيار. فهو له الحق أن يختار النشاط الذي يريده.
– أما بالنسبة للسلوكيات المزعجة عند الطفل الصغير، لا يجب إستعمال كلمة «لا» بل إستبدالها بكلمات أكثر إيجابية، مع تفسيرات عن سبب التصرفات غير المقبولة التي يقوم بها. لذا يمكن أن يستعمل الأهل الجملة التالية: «توقف عن التصرف بشكل غير مقبول». ففي هذه الجملة، لا يوجد أي كلمة سلبية يمكن أن يستعملها الطفل لاحقاً في محادثاته.
التوجيهات والحلول
عندما يستعمل الطفل كلمة «لا»، لا يجب أن يعير الاهل إهتماماً زائداً لها، بل يمكن للوالدين أن يلهيا الطفل بشيء آخر، أو أن يهتما بأمر ما أو أن يقوما بنشاط محبب الى قلب الطفل. كما يجب أن يفهم الأهل سببية إستعمال كلمة «لا» من قِبَلْ الطفل. فكل طفله له طريقته الخاصة في التعرف على العالم الخارجي، وبالتالي لديه طريقته الخاصة في التأقلم وردّة الفعل تجاه هذا العالم الذي ينتمي إليه.
وعادة يتعلم الطفل كلمة «نعم» قبل صيغة الرفض. لذا يجب أن يعير الأهل إهتماماً إضافياً لهذه الكلمة والتشجيع الإيجابي عندما يقول الطفل كلمة «نعم». مثلاً، يمكن أن يقول الأهل لطفلهم الذي قال «نعم»: «كم هذا جميل أن تستعمل كلمات جميلة، أنا حقاً فرح بتصرفاتك». كما يمكن للأهل أن يشجعوا طفلهم على إستعمال كلمة «نعم» في محادثته، خصوصاً بعد عمر الثلاث سنوات.
وكلمتا «نعم» و»لا» تأخذان منحى آخر حين يفهم الطفل الصغير جيداً سبب إستعمالهما. وعندما يرفض الطفل ما يطلبه الأهل منه، يمكن أن يستعملوا هذه الحيلة: «اليوم أريدك أن تسمع كلامي وأن تستعمل كلمة «نعم» بشكل سريع. وكل مرة تستعمل فيها هذه الكلمة، ستحصل على ملصق «الوجه المبتسم».
ولا يجب أن ننسى، أنّ كل طفل له الحق بأن يستعمل كلمة «لا»، فهذه طريقة لتثبيت الذات. ويجب أن يصغي الأهل لحياة أطفالهم وتطلعاتهم وعدم قمعهم.
كما للتخفيف من إستعمال كلمة «لا» عند الطفل، لا يجب أن يستعمل الأهل العدوانية الجسدية أو اللفظية تجاه ردة فعل الطفل الذي إستعمل هذه الكلمة. وأخيراً يجب أن يعلم الأهل بأنّ مرحلة إستعمال كلمة «لا» هي طبيعية وضرورية للنمو النفسي عند الطفل قبل الذهاب إلى المدرسة. لذا يجب ألّا يغضب الأهل من تصرفات طفلهم بل فهمه وفهم كل مراحل نموه النفسي الأساسية.