Site icon IMLebanon

لهذه الأسباب سينجح ميقاتي في التأليف

كتب شارل جبور في “الجمهورية”: 

السهولة في التكليف لا تعني إطلاقاً سهولة في التأليف، لأنّ العقد الموجودة حقيقية وتتطلّب حلولاً بين المعنيين في ملف التأليف، مع فارق أساس انّ فريق العهد لم يكن في وارد إيجاد الحلول مع الرئيس سعد الحريري، خلافاً لواقع الحال اليوم.

طَغت المشكلة الشخصية بين الرئيس الحريري ورئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل على كل ما عداها، ولم يكن ممكناً البحث في جوهر العقد الموجودة قبل معالجة الإشكالية الشخصية التي لا يفترض الاستخفاف بها، والأوضح على هذا المستوى كان رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط الذي دعا الحريري صراحة ومراراً وتكراراً إلى اللقاء مع باسيل من أجل الولوج إلى العقد الحكومية، ولكن إصرار الحريري على رفض عقد هذا اللقاء أبقى الملف الحكومي جامداً عند عتبة الخلاف الشخصي، خصوصا انًّ العهد لم يكن في وارد التساهل مع أمر واقع يُفرض عليه وفي وجهه قبل تأليف الحكومة، فعمد إلى تعطيل كل مساعي التأليف متحجّجاً بعدم الاتفاق على تصور مشترك، فيما مشكلته الأساسية تكمن في الشكل قبل المضمون.

فالفارق الأساس إذاً بين التكليفين انّ ميقاتي انطلق في مشاوراته متجاوزاً الجانب الشخصي مع الرئيس ميشال عون وباسيل بطبيعة الحال، ولا بل يصرّ على تظهير كل مودة وإيجابية عقب أي لقاء يجمعه برئيس الجمهورية، ولا يمانع بلقاء باسيل، الأمر الذي مكّن الفريقين من الدخول في نقاش جدي حول العقد الحكومية.

وبمعزل عن كل ما يقوله ويعلنه باسيل بأنه لا يريد شيئاً من الحكومة، إذ في نهاية المطاف رئيس الجمهورية ورئيس التيار هو عون، والقرار ملكه وحده، وهو لن يتنازل عن كل ما يُضعف دوره في السلطة وإمساكه بمفاصل القرار في حكومة هي الأخيره في عهده إذا ما تشكّلت، وستتحوّل إلى حكومة رئاسية في مرحلة الفراغ التي ستلي، وكل الترجيحات تتوقّع ان يطول هذا الفراغ.

فلا أحد يتوقّع مفاوضات سهلة، ولكن هذه المفاوضات تحصل في مناخ من الإيجابية بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلّف، وفي ظل إصرار «حزب الله» على التأليف، ودفع دولي كبير لولادة الحكومة، وإدراك ميقاتي المسبق انّ الحكومة لن تتشكّل من دون توقيع عون، وانه بحاجة لإبرام تسوية معه توفِّق بالحد الأدنى بين شروط العهد، وشروط الفريق الذي يمثِّله الرئيس المكلف.

فالعوامل التي ترجّح تأليف الحكومة ليست قليلة، وأهمها إدارة ميقاتي للتفاوض من زاوية علمه المسبق انّ العهد لن يؤلِّف حكومة لا تخدم مصالحه وأهدافه ولو أدى الفراغ إلى خراب البلد أكثر من الخراب الحاصل. وبالتالي، ينطلق من مقاربة براغماتية ترمي إلى المزاوجة بين تأمين مصالح العهد، وبين ألا تؤدي هذه المصالح إلى شلّ الحكومة ومصادرة قرارها، ويُدرك أيضاً ان التفاوض على الحافّة سيُفضي إلى تأليف حكومة لأن العهد يفاوض من دون الاستناد إلى أي طرف يغطي سياسته باستمرار الفراغ.

ولو كان ميقاتي متأكداً بأنّ تكليفه سيفشل لَما قَبلَ هذه المهمة من أساسها، وإذا كانت مهمته غير مضمونة النجاح، إلا انّ فشلها غير محسوم، خصوصاً انه يستند إلى ثلاث ركائز أساسية: الموقف الدولي المشجِّع على تأليف حكومة سريعاً تقرّ رزمة من الإصلاحات تفتح الباب أمام المساعدات، موقف «حزب الله» الذي يخشى من ان يؤدي استمرار الفراغ إلى سقوط الهيكل اللبناني فيفقد الورقة التي ورثها عن النظام السوري في لحظة تفاوض أميركية-إيرانية هو بأمسّ الحاجة للحفاظ فيها على هذه الورقة تحسيناً لشروطه ومكاسبه، والموقف الشعبي الذي يريد حكومة تفرمل الانهيار وتحدّ من إذلاله اليومي في كل جوانب حياته وعيشه.

وفي موازاة كل هذه العوامل فإنّ العامل الأهم المشجِّع على تأليف حكومة هو العامل الشخصي لميقاتي الذي يريد الدخول إلى السرايا الحكومية، ومجرّد تحقيق هدفه يستطيع إدارة الحكومة وملفاتها بطريقته وأسلوبه، ويكفي التذكير بأنه لم ينفِّذ سياسة الفريق الذي كان وراء حكومته الثانية التي كانت من لون واحد، إنما مارس سياسته مُتكئاً على موقعه وصلاحياته، الأمر نفسه الذي سيمارسه فور تشكيل الحكومة العتيدة.

فالهدف الأساس لميقاتي هو معالجة العقد التي حالت وتحول دون تأليف الحكومة والدخول إلى السرايا الذي تبدأ معه طبعاً مهمة شاقة إضافية ولكن من طبيعة ثانية، إلا انه يريد ان يثبت بأنه الأقدر على إدارة البلاد في الحقبات الانتقالية والصعبة، فضلاً عن انّ فرصته الحالية قد تكون الأخيرة، ولكن ليس هذا المهم، إنما المهم بالنسبة إليه انّ نجاحه سيجعله ليس فقط رئيساً لحكومة نهاية عهد عون وما بعده، بل لحكومات مديدة ربما، خصوصاً انّ الحكومة العتيدة ستضع برنامجاً طويل الأمد مع المجتمع الدولي لمعالجة الأزمة المالية، ونجاحه في وضع أسس المعالجة سيجعل من رئاسته للحكومة مطلباً دولياً وشعبياً في آنٍ معاً.

وبإمكان اي حكومة جدية اليوم ان تخفِّف من آلام الناس وأوجاعها، خصوصاً انها ترتكز على دفع خارجي كبير، وقد لا تتمكن من ان تنجز إصلاحات واسعة بسبب الفريق المُمسك بقرار الدولة ويرفض الإصلاحات التي تحدّ من سلطته وسطوته واستفادته من التهريب ومرافق الدولة، ولكن يجب التمييز بين الإصلاحات الممكنة خصوصاً انّ الناس أصبحت في وضع تقبُّل اي خطوات وقرارات مؤلمة تؤدي إلى التخفيف من حدة الأزمة، وبين الإصلاحات الجذرية التي هي بحاجة لظروف سياسية غير متوافرة بعد.

ونجاح ميقاتي في الحدّ من حدة الأزمة سينقله من حالة سنية طرابلسية، إلى حالة سنية عابرة للمناطق السنية، كما سيكسبه صدقية شعبية لبنانية، إضافة إلى الصدقية الخارجية التي نجح في الحفاظ عليها.

وتأسيساً على ما تقدّم، ينطلق ميقاتي من اعتبار انّ الفرصة التي يمكن ان تشكلها حكومته للبلد، تشكِّل في الوقت نفسه فرصة ثمينة وذهبية لدوره، وهذه الفرصة يصعب تكرارها مستقبلاً حتى لو فتح باب دخوله إلى السرايا لاحقاً، لأنّ الأزمة القائمة اليوم، وعدم تمكُّن الحريري من التأليف، والحاجة الشعبية إلى حكومة، والمومِنتُم الدولي الداعم والدافع لتأليف حكومة، كلها عوامل استثنائية وتصبّ في مصلحته.

فلا يجب التقليل من العامل الشخصي والاندفاع الذاتي للتأليف وما يمكن ان يدُّرّه للرئيس المكلف. ولذلك، سيقوم بالمستحيل من أجل الدخول إلى السرايا سعياً لإقامة مديدة، فهل سينجح في إدارة مفاوضاته الشاقة مع عون؟ وهل سيتمكّن من تدوير الزوايا معه وصولاً إلى تسوية تُفضي إلى إصدار مراسيم التأليف قريباً؟

لا شك انّ الأيام القليلة المقبلة كافية لتقديم الإجابة الشافية في ظل ترجيحات تؤكد انّ ميقاتي سيترأس حكومته الثالثة وحكومة العهد الرابعة.