كتب عمار نعمة في “اللواء”:
منذ أن قدّم المحقق العدلي في جريمة المرفأ القاضي طارق البيطار تقريره وطلبه رفع الحصانات عن نواب في المجلس النيابي ووزراء سابقين، الأمر الذي ووجه برفض ضمنيّ من قبل هيئة مكتب المجلس ولجنة الإدارة والعدل تحت عنوان تقديم البيطار لأدلة اضافية، والسلطة تعمل جاهدة لتحويل مسار كامل نحو جهة أخرى، تارة بستارة عريضة نيابية للإحالة أمام المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، تآكلت من الداخل، وتارة أخرى اليوم عبر اقتراح رفع الحصانات لعلّه للتغطية على فشل العريضة.
جاء الاقتراح الاخير من قبل رئيس كتلة «المستقبل» الرئيس سعد الحريري ومؤداه تعليق المواد الدستورية والقانونية كافة التي تمنح حصانة أو أصولا خاصة بالمحاكمات، لرئيس الجمهورية ولرئيس الحكومة وللوزراء وللنواب وللقضاة وللموظفين.. على أن يصبح المحقق العدلي هو المرجع.
من الواضح أن مبادرة الحريري التي طغت على العريضة النيابية والتي حصلت على رضى حلفاء له في السلطة، هدفها اجتراح مخرج من تحقيق البيطار الذي قد يمضي في قراره الظني لإعلانه خلال الخريف المقبل، مثلما انها تحتمل التفسير السياسي عبر تصعيد المواجهة مع العهد وهو ما يفسر رفض العهد وطبعا «التيار الوطني الحر» لها.
على أن الصعوبة الأهم أمام اقتراح الحريري تكمن في الدستور وآلياته. فالإجراءات الشائكة التي تشير الى شبه استحالة لمبادرة الحريري، ستكون أولاً على شكل ممر حكومي تدور أسئلة حول دستورية حكومة تصريف الاعمال الحالية لإتباعه.
والعقبة الأساس بادىء ذي بدء تكمن في عدم وجود حكومة، كون حكومة تصريف الأعمال لن تعد مشروع قانون للتعديل الدستوري . فالمادة 77 من الدستور تتضمن في ما تتضمنه أنه يمكن لمجلس النواب إعادة النظر بالدستور بناء على إقتراح قانون موقع من عشرة نواب على الأقل. وهذا الإقتراح يبلغه رئيس مجلس النواب الى الحكومة طالبا منها أن تضع مشروع قانون في شأنه، فإذا وافقت الحكومة على إقتراح المجلس بأكثرية الثلثين في مجلس الوزراء، يجب عليها أن تضع مشروع التعديل وتطرحه على المجلس خلال مهلة أربعة أشهر. وإذا لم توافق، عليها أن تعيد القرار الى المجلس ليدرسه ثانية، فإذا أصر عليه بأكثرية ثلاثة أرباع مجموع أعضائه، يسلك طريقه دستوريا.
بين «التعديل» و«التعليق»
من ناحية المستقبليين، هم لا يشيرون الى «تعديل» في الدستور بل الى «تعليق» بعض المواد، لكنه في واقع الامر تعديل، وبغض النظر عن شعبوية كامنة من طرحه وتوسيع البيكار ليشمل أيضا رئيس الجمهورية ما سيجعل من رفع الحصانة مستحيلة، فإنه لا يوقف اعمال التحقيق بل يسير في موازاتها.
وما يجب التوقف عنده هو أنه بما أن المجلس اليوم في حال عقد حكمي عملا بالمادة 69 من الدستور في ظل حكومة تصريف أعمال، فإن من المقدر للعقد العادي للمجلس أن يبدأ في الثلاثاء الأول الذي يلي 15 تشرين الأول المقبل، أي بعد أكثر من شهرين ونصف الشهر، وحينها ربما يكون القاضي البيطار قد أصدر قراره الظني.
هذا ناهيك عن نقطة غير محسومة وهي ان أكثرية الثلثين في مجلس النواب ليست متوفرة للحريري ولحلفائه، كما ان الموضوع قد يعارضه البعض من باب غياب الميثاقية المسيحية عنه مع رفض «التيار الوطني الحر» و»القوات اللبنانية» و»الكتائب» للمبادرة.
قد تكون محاولة لاستباق القرار الظني للقاضي البيطار، في حال صدر، وقد صدرت مبادرة الحريري هذه قبل ايام قليلة على ذكرى المأساة في 4 آب والتي أعلن اهالي الضحايا فيها لدعمهم للمحقق العدلي في مساره.
لذا يطرح الكثير من الخبراء الدستوريين والسياسيين مسألة رفع الحصانات كليا ليُستكمل الامر الى ما هو ابعد، خاصة وان مطلب رفع الحصانات يعد مطلبا مزمنا خاصة وأن الحصانة تنحصر اليوم بالافكار والاراء التي يدليها النائب أو الوزير.
في كل الأحوال، من المرجع ان تصطدم مبادرة الحريري بحائط مسدود، كحال العريضة النيابية التي تقصّدت على ما يبدو تحديد مهمة عائقة لها لتنفيذ هدفها المعلن عبر طلب إتهام وإذن بالملاحقة أمام المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، وهو الأمر الذي يعلم صائغو العريضة تماما صعوبته.