Site icon IMLebanon

ذكرى “بيروتشيما” ونظام العقوبات يحاصران مسار التأليف

كتب وسام أبو حرفوش وليندا عازار في الراي الكويتية:

في عمر التاسعة أُلبستْ الكفَن… قطفها الموتُ زهرةً كانت تتطلّع إلى السماء، ليس لـ«تغفو» فيها باكراً إلى الأبد، ولكن لتكون حدودَ أحلامها التي قتَلها «كابوسٌ»، المُجْرم «المنفّذ» فيه عقربٌ، و«الشركاء» كثُرٌ في بلدٍ يَمضي أطرافه السياسيون في «قِتال العقارب» فوق حُطام وطنٍ يصارع «الزوال» وفواجع شعب محطّم كأنه يُراد أن يكون صريع «لدغة جَماعية فتّاكة».

زهراء طليس، ابنة الأعوام التسعة، تحوّلتْ رمزاً جديداً لدومينو الانهيار الشامل وأزمة فقدان الدواء، التي كان عنوانها هذه المرة الترياق المضاد للسموم، والتي لا يُعْفيها من المسؤولية عن «الجريمة» بيان وزارة الصحة التي أعلنت «أن الدواء ضد لسعة العقارب غير مدرج منذ عقود على قائمة الأدوية التي يستوردها لبنان» لأن «العقارب الموجودة فيه بطبيعتها غير مهددة في غالبيتها للحياة».

أمس كانت بريتال البقاعية (شرق لبنان) نموذجاً للمواجع والفواجع التي وُضع اللبنانيون في عيْنها… هناك لم يكن صوتٌ أعلى من صرخات الغضب ولا حزن أقوى من الدموع التي حكت قصة زهراء، التي كانت تلعب بالكرة حين دهمها عقرب وسدّد لها لسعاتٍ قاومتْها لنحو 36 ساعة قبل أن تلفظ أنفاسها بعدما تأخر تأمين الترياق الذي استغاث الأهل ومحافظ بعلبك الهرمل للحصول عليه وتم توفيره بعد فوات الأوان من سورية (بمسعى من الأهل) إضافة الى خمس جرعات من خلال تواصل وزارة الصحة مع قوة «اليونيفيل».

«الله لا يسامح حكّامنا. زهراء راحت ولن تعود»، قالتْها الأمّ الثكلى زينب وهي تودّع طفلتها، «وردة البيت» التي غابتْ فيما الوطن كله كأنه على… مغيب. هنا، لم يكن من مكانٍ للسياسة وألاعيبها ولا لـ «الولائم المسمومة» على طاولة تأليف الحكومة الذي بدأت «عقاربه» تعود إلى الوراء، إلى زمن بورصة «التفاؤل، التشاؤم، التشاؤل» التي لطالما طبعت تشكيل الحكومات في لبنان، رغم الرهانات على أن التكليف الثالث (منذ سبتمبر 2020) الذي آل الى الرئيس السابق نجيب ميقاتي ربما يحمل«ترياق التشكيل»، باعتبار أن الانهيار بلغ مرحلة إما النجاة منه عبر «مخرج الطوارئ» أو الاحتراق بناره التي لن توفّر الواقع السياسي ولا المالي ولا الاقتصادي ولا المعيشي ولا… الأمني.

«الحرْقة» في بريتال بدا وكأنها أصابت كل لبنان، الذي لم يَسْتَفِق بعد من صدمة «مجزرة الحرائق» في عكار، والذي يستعدّ يوم الأربعاء لإحياء الذكرى الأولى لانفجار مرفأ بيروت الذي لم يبرد «جمره» بعد، لا في عيون ذوي الضحايا (أكثر من 205 الى جانب نحو 6500 جريح) التي لم تعُد تُرى فيها إلا صور الأحبة، ولا في قلوبهم التي تخفق فقط لـ «نبض الحقيقة» في هذه الجريمة التي لم يُفتح بعد «صندوقها الأسود».

4 آب 2021، تحوّل في بيروت بمثابة «خط فاصل» بين مرحلتيْن، وسط تعويلٍ على المشهدية غير العادية التي سترتسم فيه على الأرض، التي «تغلي» بخلفيات الأزمات المعيشية كما عدم تحقيق العدالة بعد في «بيروتشيما»، ومن دون أن يكون ممكناً التكهّن بما إذا كانت ذكرى الانفجار «الهيروشيمي» و«رسائل الميْدان» ستُعطي دفْعاً لمسار التأليف الحكومي، بما يُفَرْمِل طلائع التعقيدات التي لاحت من خلف ستار الإيجابية والمرونة المتبادلة بين ميقاتي ورئيس الجمهورية ميشال عون قبل أن يجرف غضب الشارع الجميع ومعهم الفرصة الأخيرة لإدارة الانهيار، أم أن ما سيطبع هذا اليوم سيوظَّف في سياقات المناورات و«الدسائس» السياسية القديمة – الجديدة.

ولم يكن عابراً عشية هذه الذكرى، أن «يُهْدي» الاتحاد الاوروبي الشعبَ اللبناني إطاراً قانونياً لنظام عقوباتٍ يستهدف أفراداً وكيانات لبنانية وجرى تبنيه الجمعة تمهيداً لفرض عقوبات (حظْر سفر وتجميد أصول) على المسؤولين عن تقويض الديموقراطية أو سيادة القانون في لبنان من خلال الاستمرار في إعاقة تشكيل الحكومة أو عرقلة إجراء الانتخابات النيابية (ربيع 2022) أو تقويضها بشكل خطير.

وجاء هذا الإطار القانوني، ورغم عدم سهولة ترجمته بتحديد أشخاص أو كيانات لمعاقبتها لأن هذا يتطّلب إجماعاً وإن كان يمكن الالتفاف عليه عبر جعل العقوبات «إفرادية» (لكل من دول الاتحاد على حدة)، بمثابة «العصا» التي لطالما لوّحت بها باريس لحضّ المسؤولين اللبنانيين على الإفراج عن حكومة الإصلاحات، من ضمن عمليةٍ نجحت في الفترة الأخيرة بتوفير قاعدة مشتركة في إطارها لعملٍ «يداً بيد» مع الديبلوماسية الأميركية التي سارعت للترحيب بقرار الاتحاد الأوروبي عبر بيان مشترك لوزيريْ الخارجية أنتوني بلينكن والخزانة جانيت يلين أكد «ان العقوبات تهدف، من بين أمور أخرى، إلى فرض تغييرات في السلوك ومحاسبة القادة الفاسدين»، مبديين استعدادهما للتعاون مع الاتّحاد في شأن الملفّ اللبناني.

ورغم تشكيك داخلي بجدوى أي مسار عقوباتٍ، لم يبدّل حرفاً في الأزمة الحكومية حين قامت واشنطن بتفعيله خريف 2020 مستهدفة قادة سياسيين أبرزهم رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل، فإن هذا لا يُسقِط ما يعبّر عنه هذا التطور لجهة الإحاطة المفرطة الدولية بالواقع اللبناني، من باب «ترهيبٍ» بإجراءات زاجرة، وفي الوقت نفسه «ترغيب» بجزرة المساعدات وفق ما يعبّر عنه مؤتمر الدعم للشعب اللبناني الذي تنظّمه باريس يوم ذكرى 4 آب استكمالاً للمساعدات التي بوشر بتخصيصها للبنانيين بعد «بيروتشيما» وتمرّ بالمجتمع المدني وجمعياته.

وفي حين استوقف أوساطاً سياسية إدارة فرنسا محرّكاتها الديبلوماسية بقوة باتجاه أكثر من عاصمة غربية وعربية، بينها الرياض والقاهرة، وسط رصْدٍ لِما إذا كان لقاء وزير الخارجية الفرنسي جان – ايف لودريان نظيره السعودي الأمير فيصل بن فرحان (في باريس يوم الأربعاء) سيُفضي لمشاركة المملكة في مؤتمرِ يوم الأربعاء، فإن تَرَقُّباً يسود لِما إذا كانت الدينامية الخارجية التي ترتكز على اعتبار استيلاد الحكومة بمثابة«المفتاح»لأي دعْم مالي مشروط بالإصلاحات، ستجعل المعنيين بالملف الحكومي يقرّون بأن«وقت اللعب انتهى»وأن عدم التأليف هذه المرة وفي فترة قصيرة سيعني التعاطي مع غالبية الطبقة السياسية على أنها«مارقة» وتنقل لبنان الى«الدولة الفاشلة».

وإذ اعُتبر إبلاغ عون، النائب العام التمييزي غسان عويدات استعدادَه المطلق للإدلاء بإفادته في انفجار المرفأ إذا رغب المحقّق العدلي بالاستماع إليه مؤشراً إلى أن ضغوط الشارع فعلتْ فعلها لجهة جعل المسؤولين يتسابقون على نفْض اليد من أي مسؤولية عن تمييع التحقيقات، رغم اعتقاد البعض أن خطوة عون جاءت لسحْب ذرائع من الأطراف الساعية لتوقيع عريضة تعلّق مواد دستورية تمنح رئيس الجمهورية وسائر المسؤولين حصاناتٍ (في ملف المرفأ) وتعطي دفعاً لمطلب «التيار الحر» برفْع الحصانات فوراً عن النواب (الوزراء السابقين) وفق طلب المحقق العدلي، فإن لا شيء يشي، أقله حتى الساعة، بأن مثل هذا «السباق» سيحكم عملية تأليف الحكومة التي دخلتْ مرحلة ما بعد «الاستكشاف بالنيات» واقتربت من «النقاط – الألغام».

وفيما كانت التحقيقات بتفجير المرفأ تقف أمام محكّ الإجابة عن سؤال كبير أطلّ من بين سطور التقرير الذي وضعه مكتب التحقيقات الفيديرالي الأميركي (إف بي آي) في أكتوبر الماضي وكُشف مضمونه الجمعة، ومفاده أين «طارت» وكيف كمية 2200 طن من نيترات الأمونيوم (2750 طناً) كانت خُزنت في المرفأ بعد رسو سفينة مستأجرة من روسيا فيه (نوفمبر 2013) في طريقها من جورجيا الى موزمبيق (قبل أن «تعلق» في بيروت) لينفجر في 4 آب 2020 نحو 552 طناً منها فقط، فإن أحداً في بيروت لا يملك إجاباتٍ حول إذا كان تأليف الحكومة بات «مسحوب الفتائل» التي كانت أطاحت بمهتميْ السفير مصطفى أديب ثم الرئيس سعد الحريري، في ظل اقتناعٍ بأن أي فشل أو إفشال لتكليف ميقاتي سيشكّل شرارة «انفجار سياسي» وربما أكثر قد لا يكون ممكناً ضبْط أو«توجيه» عصْفه.

وفي هذا السياق، بدا واضحاً أن«استراحة» الأيام الثلاثة في اللقاءات بين عون وميقاتي هي في إطار محاولة استجماع الأوراق تمهيداً لولوج جولة التفاوض الجدّي، على قواعد ثبّتها الرئيس المكلف وأبرزها «أنا والحريري واحد»، وأنه غير مُلْزَم بأي «نعم» كان أبداها الأخير (في مرحلة التفاوض) ويريد رئيس الجمهورية حشْر ميقاتي بها لاستدراجه نحو تنازلاتٍ كانت أصلاً من ضمن «سلّة متكاملة» تشمل الثلث المعطّل وتسمية الوزراء، ولكنه يلتزم بـ «لاءات» الحريري الذي كان يتحدث باسم رؤساء الحكومة السابقين، في مقابل نقزة من فريق عون من انطلاق الرئيس المكلف من حيث انتهى سَلَفه وتحديداً من آخر تشكيلة حملها واعتُبرت «تشكيلة مشكلة» تمهيداً للاعتذار، وتحديداً في إعادة وضْع حقيبتي الداخلية والعدل من حصة المكوّن السني.

وفي موازاة تحديد ميقاتي معايير لحكومته على أن تتألف من اختصاصيين غير حزبيين على أن تراعي تسميتهم بالتوافق مع رئيس الجمهورية عدم استفزاز أي طرف، معتبراً أن من الضروري أن يكون وزيرا الداخلية والعدل (في ظل استعدادات للانتخابات النيابية) غير محسوبيْن على أي طرف، وكذلك مَن سيتولون حقائب أساسية كالطاقة، برز ما نقلته صحيفة «الأخبار» عن عون من تفسيره كلام ميقاتي عن التزامه بموقف الحريري، بأنه«نوع من التهديد»، معرباً عن عدم ممانعته المداورة في الحقائب «لكنّه يقبل بتوافق بين الطوائف على ست حقائب، هي: الخارجية والداخلية والدفاع والمال، إضافةً إلى الطاقة والعدل»، مؤكداً أنه يطالب بالداخلية لمسيحي «مع استعداده للتشاور في اسم شخصية لا تستفز أحداً وتكون محايدة».

وأشار الى أنه لا يمانع «تعيين أحد أبناء الطائفة السنية لوزارة العدل»، رافضاً «إحراجه بقصد إظهاره منكسراً. لذلك مقابل تثبيت المال (من حصة رئيس البرلمان نبيه) لبرّي، يريد حقيبة الداخلية».

وفيما سادت الكواليس إشاراتٌ إلى مرونةٍ ما في سياق كسْر «الخط الأحمر» أمام شمول حقيبة المال بالمداورة (بعدما اعتبر المكوّن الشيعي أنها تمنحه التوقيع الميثاقي في الحكومة مع توقيعيْ رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة)، وذلك تحت سقف ما يُشاع عن رغبة فعلية لـ«حزب الله» باستيلاد الحكومة لقفْل «أبواب رياح» عاتية لا تلائمه، فإن مثل هذا الطرح يبدو محكوماً بأن يولّد تعقيدات إضافية، ما لم يكن مجرد مناورة، تتصل بأي حقيبة أخرى يمكن أن ينالها الثنائي الشيعي باعتبار حقائب الداخلية والدفاع والخارجية، ذات حساسيات كبرى تجاه الخارج.