كتب خيرالله خيرالله في العرب اللندنية:
يحتاج لبنان أوّل ما يحتاج في هذه المرحلة إلى تمرير المرحلة الانتقاليّة التي ستستمرّ إلى يوم خروج ميشال عون من قصر بعبدا في أقلّ تقدير. هذه المرحلة مرشّحة للاستمرار إلى ما بعد الخروج في حال بقي «حزب الله» متمسّكاً بخيار فرض مرشّحه لرئاسة الجمهوريّة على اللبنانيين.
قبل الوصول إلى يوم 31 تشرين الأوّل – أكتوبر 2022، من مصلحة لبنان تشكيل حكومة برئاسة نجيب ميقاتي تتمتع بحدّ أدنى من المواصفات التي تسمح لها بالسعي إلى جعل البلد يلتقط أنفاسه.
في مقدّم هذه المواصفات «امتلاك الحكومة صلاحيات كاملة» في بلد يعاني أوّل ما يعني من الفراغ السياسي على مستوى رئاسة الجمهوريّة.
ثمة حاجة إلى حكومة تمتلك رؤية من جهة وقدرة على تعطيل الفكرّ الهدّام لرئيس الجمهوريّة وصهره جبران باسيل اللذين لا يدركان أن لبنان في غنى عن الحسابات الصغيرة من جهة أخرى.
المعني بالحسابات الصغيرة تأمين وصول باسيل إلى موقع رئيس الجمهورية بحجة المحافظة على حقوق المسيحيين واسترجاعها.
تحت هذا الشعار، تسلّم «حزب الله» قيادة المركب اللبناني وأخذه الى الهلاك. لم يعد معروفاً هل سيبقى مسيحي واحد في لبنان في ظلّ «العهد القوي» وهل ستبقى حقوق للمسيحيين… بل حقوق للبنانيين.
كان كلام نجيب ميقاتي مع الزميل مرسيل غانم معقولاً. حاول الرجل توفير جرعة تفاؤل صغيرة الى اللبنانيين الذين يعرفون الكثير عنه وعن صدقيته وجدّيته.
هذا لا يحول دون الاعتراف بأنّ لديه خبرة طويلة في ممارسة لعبة تدوير الزوايا واستيعاب الآخرين. يعرف الرجل النظام السوري أكثر من غيره. عرف إيران جيّدا. علاقاته الدوليّة مع فرنسا وأميركا قائمة ومتينة. يعرف العالم كلّه تقريبا، بما في ذلك جنرالات ميانمار.
ما ليس معروفاً الى أيّ درجة يستطيع تأمين ثقة خليجية بلبنان وإحداث اختراقات في الدول الست لمجلس التعاون لدول الخليج العربيّة. هل سيسمح عون وباسيل لميقاتي بتشكيل حكومة؟ هذا السؤال الكبير سيطرح نفسه عاجلاً أم آجلاً.
عاجلاً على الأرجح، نظرا الى أن ميقاتي لن ينتظر طويلاً كما فعل سعد الحريري.
هناك سؤال أكبر، هل لدى «حزب الله» مصلحة في تشكيل حكومة؟ إذا كانت لدى الحزب، أي لدى إيران، مثل هذه المصلحة، ستتشكل الحكومة نظرا الى أن المعادلة في لبنان في غاية البساطة.
في النهاية، إنّ «العهد القوي» ليس سوى «عهد حزب الله» وأن الحزب سمّى ميقاتي في الاستشارات الملزمة التي يجريها رئيس الجمهوريّة قبل تكليف الشخص الذي سيتولى تشكيل الحكومة.
في المقابل، كان «حزب الله» امتنع عن تسميّة الحريري وقد سمح في حينه، قبل تسعة أشهر، لتابعين له مثل نواب الحزب السوري القومي الاجتماعي بتأييد تكليف الحريري!
سمح الحزب في الوقت ذاته للثنائي عون – باسيل بوضع كلّ العراقيل في طريق تشكيل حكومة. تماما كما سبق وسمح لهما بعرقلة مؤتمر «سيدر» الذي انعقد في باريس في نيسان 2018 وكان وراءه الحريري.
كان النجاح في تنفيذ المقررات الصادرة عن المؤتمر تمكين لبنان من تفادي الانهيار الكبير. أمّن المؤتمر مساعدات بقيمة نحو 11 مليار دولار للبنان، لكن شروطه لم تكن تتلاءم مع ما يريده «حزب الله» الذي أصرّ على بلوغ مرحلة الانهيار بدءاً بحملته على النظام المصرفي اللبناني.
ليس معروفاً كيف سيترجم «حزب الله» تسميته لميقاتي الذي سبق له في العام 2011 قبول تشكيل حكومة أرادها الحزب بعد إسقاطه حكومة الحريري.
كان ذلك بناء على رغبة بشّار الأسد الذي فرض على ميقاتي قبول رئاسة الحكومة… كانت تلك الحكومة في الواقع حكومة «حزب الله». لا يمكن الاستخفاف بنجيب ميقاتي وبما يمتلكه من خبرة ومؤهّلات ولا يمكن الاستخفاف بأنّ تغييرات كبيرة طرأت على الوضعين الداخلي والإقليمي.
إقليميا، صار القرار السوري في لبنان قرار «حزب الله». عندما شكّل حكومته الثانية في 2011 (كانت حكومته الأولى في 2005)، كان النظام السوري حيّا يرزق.
لم تكن هناك بعد ثورة شعبية قضت عمليا على النظام وجعلته تحت رحمة إيران وروسيا.
داخليا، قد يكون «حزب الله» في حاجة الى حكومة نظراً الى أن الفقر طال كل اللبنانيين، بمن في ذلك الشيعة الذين لم يعد الحزب يستطيع توفير الحد الأدنى من الظروف المعيشية اللائقة لهم.
ليس سرّاً أن المجتمع الدولي يريد حكومة تتمتع بـ«كل الصلاحيات». وحدها مثل هذه الحكومة تستطيع القيام بالإصلاحات المطلوبة وخوض مفاوضات مثمرة مع صندوق النقد الدولي. لا شكّ أنّ لبنان في حاجة الى مرحلة انتقالية.
لا شكّ أيضا أنّ ميقاتي الرجل المناسب لتأمين مثل هذه المرحلة، خصوصا أن حقد الثنائي عون – باسيل عليه أقل حدّة بكثير من الحقد على الحريري، الذي في أساسه حقد أكبر على الرئيس الشهيد رفيق الحريري ونجاحه في إعادة لبنان الى خريطة الشرق الأوسط. يعرف ميقاتي لبنان جيّدا. يعرف المنطقة جيّدا. يعرف العالم جيّدا.
لديه نقاط ضعف كثيرة، بما في ذلك فشله في عمل تغيير في مدينته طرابلس رغم كلّ الجهود التي بذلها في السنوات القليلة الماضيّة. لا تزال طرابلس، إلى إشعار آخر، أفقر المدن على البحر المتوسّط…
سيواجه ميقاتي في الأيّام المقبلة قدرة الثنائي عون – باسيل على التعطيل انطلاقاً من تسميّة وزير الداخليّة. لا يهمّ عون سوى تأمين وصول جبران إلى قصر بعبدا. هناك تناقض واضح بين ميقاتي وعون.
الأوّل يريد النجاح ومحو صورة النائب السنّي الذي قبل في 2011 تشكيل حكومة الانقلاب على الحريري. أمّا الثاني، فلا يهمه لا المسيحي اللبناني ولا المواطن اللبناني… ولا لبنان.
لا يهمّه سوى باسيل رئيساً للجمهوريّة لبلد لا دواء فيه! ماذا سيفعل «حزب الله». الكرة في ملعبه في وقت يلاحق الجوع والفقر والبؤس كلّ لبناني بغض النظر عن طائفته ومنطقته.
قد يكون الحزب، في حاجة قبل غيره الى مرحلة انتقاليّة يفكّر فيها بمستقبله في لبنان بدل أن يكون مجرّد أداة إيرانيّة لا ترى في لبنان سوى «ساحة»!