Site icon IMLebanon

تشكيلة حكومة ميقاتي… تمر أو لا تمر

جاء في “العرب” اللندنية:

يمر لبنان بلحظة سياسية حاسمة تخص تشكيل حكومة جديدة بقيادة رئيس الوزراء المكلف نجيب ميقاتي، لبدء مرحلة جديدة تقطع مع التعطيل الذي عاشه البلد طوال الأشهر الماضية، وشهد خلاله أسوأ الأزمات الداخلية.

في الرابع من آب الجاري سيكون قد مرّ عام كامل على المأساة التي حلت على بيروت وغيرت شكلها نهائيا بعد الانفجار في مينائها البحري، والذي لا زال اللبنانيون يبحثون عن المسؤول عنه بلا جدوى أو إجابة واضحة.

وسيكون الحسم في مسألة تمرير الحكومة الجديدة بقيادة ميقاتي والتخلص من عقدة الرئيس ميشال عون والمرور إلى عقد جلسة منح الثقة “إنجازا كبيرا” بحد ذاته بخصوص هذا الملف، باعتبار أن مهمة تشكيل حكومة بقيادة سعد الحريري أخذت من وقت لبنان تسعة أشهر كاملة شهد خلالها البلد تفاقما في الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.

المهمة لا تبدو سهلة من وجهة نظر المراقبين للشأن اللبناني على اختلاف السيناريوهات المتوقعة في المشهد الحكومي. فحكومة نجيب ميقاتي ستكون أمام امتحان صعب للنجاح، وستختبر في البداية مدى صبره السياسي أمام “عناد” الرئيس عون لتمرير رؤيته حول شكل الحكومة وطبيعة مهامها واختصاصاتها.

وينظر إلى الحكومة على أنها ستكون أمام تحديات أولية على صعيد مهمتها، أي عنوانها الذي ستعمل من أجل الوصول إليه فور تشكيلها وأخذ إشارة الانطلاقة ويتلخص في سؤال وحيد: هل ستكون حكومة انتخابات أم إصلاحات؟ ستواجه حكومة ميقاتي في حال مرت من عقدة الرئيس عون ضغوطا دولية للوصول إلى “إصلاحات عميقة” يتطلبها الحصول على تمويلات خارجية للمساعدة على النهوض بالاقتصاد المتدهور.

ترى بعض القراءات أن المرور من عقدة الرئيس عون لن يكون بالأمر السهل على الإطلاق على ميقاتي العارف أكثر من غيره بصعوبات الحصول على تنازلات حول شكل الحكومة والمحاصصة الطائفية والسياسية، لكنه يبدو أنه يلعب على ورقة طموحات عون وصهره جبران باسيل على صعيد ترشح الأخير للانتخابات الرئاسية.

سئم اللبنانيون من الطبقة السياسية المتهمة بالفساد والمحسوبية والمحاصصة، وعلى الرغم من خفوت الشارع بعد تحركه في السابع عشر من تشرين الأول عام 2019 إلا أنه لن يقف مكتوف الأيدي ثانية أمام أيّ تعثر جديد على صعيد التشكيل الحكومي، والأهم تفاقم تدهور أوضاعه الاقتصادية والاجتماعية أكثر فأكثر.

ويشكل الوضع الداخلي والنقمة الشعبية على الطبقة السياسية فرصة لميقاتي لتطبيق برنامج إصلاحي سريع يهدئ من الغضب المتنامي على الصعيد الاقتصادي ويخفف من حدة الضغوط الاجتماعية والسياسية، لكن قبل ذلك عليه ضمان مروره سريعا إلى عرض حكومته على البرلمان والبدء في العمل الحكومي الذي أصبح شبه مشلول في لبنان.

يحتاج لبنان إلى حكومة جديدة لخلافة حكومة حسان دياب التي قدمت استقالتها في أعقاب انفجار مرفأ بيروت، لكنه بحاجة أيضا حسب المتابعين إلى سياسة أكثر واقعية في النظر إلى معالجة الأسباب التي أدت إلى تفاقم مشكلاته الاقتصادية والسياسية، وليس الحفاظ على الوضع القائم.

ويتساءل مراقبون لبنانيون عن سر “التفاؤل الايجابي” الذي أبداه ميقاتي حين كُلّف رسميا بتشكيل حكومة جديدة، خاصة مدى التوافق الدولي على شخصية عملت سابقا على قيادة حكومة بدت ضمن الحكومات المتعاقبة التي ساهمت في تفاقم المشكلات المتراكمة في لبنان.

ويقول هؤلاء إن المخاوف المتعلقة بالقوائم الأوروبية للعقوبات هي التي ستدفع الطبقة السياسية وخاصة عون – باسيل وحزب الله وحركة أمل وتيار المستقبل إلى القبول بصيغة توافقية لتمرير حكومة جديدة. ولا تخفي نبرة التفاؤل التي تحدث بها ميقاتي طبيعة المفاجآت المتوقعة على صعيد استمرار عون في التعطيل وعدم إبداء أي تغيير في موقفه حول شكل الحكومة وتسمية الوزراء.

وينظر إلى الجانب الآخر من التشكيل الحكومي والذي يثير مجموعة من التساؤلات بشأن دعم حزب الله لشخصية ميقاتي لتولي حكومة جديدة خلفا للحريري، الذي فشل في مهمته بعد أن قدم نفسه على أنه “المنقذ” للبنان.

وتعد العلاقة مع حزب الله الذي دعم ميقاتي في الاستشارات النيابية عقدة أخرى في طريق الحصول على دعم خارجي وخاصة أميركي يحتاجه لبنان للوصول إلى مساعدات مالية ضرورية.

وترى قراءات حول التطورات الحاصلة في لبنان أن باريس التي ساهمت على مدار الأشهر الماضية بشكل مباشر في الضغط على الفرقاء السياسيين لا تبدو اليوم متحمسة أكثر لإبقاء أيّ غطاء سياسي للطبقة السياسية وهو ما ظهر جليا عبر القوائم التي تعدها داخل أروقة الاتحاد الأوروبي لمعاقبة المعطلين لاستئناف مهمة تشكيل حكومة جديدة في لبنان.

لكن مسألة حزب الله المصنف كتنظيم إرهابي لدى الولايات المتحدة ستكون العقبة الأساسية الأبرز في المرحلة الموالية للتشكيل الحكومي في حال نجح ميقاتي ومر بحكومته بأقل الأضرار من عقد رئيس الجمهورية وصهره باسيل.

وكتب ديفيد شينكر الدبلوماسي الأميركي ومساعد وزير الخارجية في إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، والذي كان قريبا من المسؤولين اللبنانيين، “مر ما يقرب من عام على استقالة آخر حكومة لبنانية في أعقاب انفجار ميناء بيروت. منذ ذلك الحين، مع تدهور الاقتصاد، لم تكن النخب السياسية اللبنانية مستعدة أو قادرة على تشكيل حكومة جديدة ملتزمة بالإصلاح ومحاربة الفساد، وهي متطلبات المجتمع الدولي الأساسية لدعم برنامج إنقاذ صندوق النقد الدولي”.

ويرى شينكر أن “غالبية النخب السياسية لا تزال مهتمة بمصالحها الضيقة أكثر من اهتمامها برفاهية الشعب اللبناني. هذه ليست ظاهرة جديدة، لكنها مزعجة بشكل خاص بالنظر إلى الأزمة الإنسانية المتفاقمة”.

ويؤكد أن نظام “العقوبات يبقى الأداة المفيدة.. على واشنطن أن تستمر في معاقبة النخب السياسية اللبنانية بغض النظر عن الطائفة، التي تديم نظام الفساد المستشري الذي أدى إلى خراب الدولة”.

وعلى الرغم من أن شينكر لا يتولى منصبا رسميا حاليا إلا أن لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأميركي الذي يسيطر عليه الديمقراطيون استمعت إلى شهادته في جلسة خصصت لتقييم الشلل السياسي الذي يعيشه لبنان.

حكومة نجيب ميقاتي ستكون أمام امتحان صعب للنجاح، وستختبر في البداية مدى صبره السياسي أمام “عناد” الرئيس عون لتمرير رؤيته حول شكل الحكومة وطبيعة مهامها واختصاصاتها

يبقى الحسم في مرور ميقاتي إلى المرحلة الثانية من التشكيل يعتمد بشكل أساسي على ما سيقرره عون الاثنين. وفي حال نجح في ذلك ستتركز النقاشات حول مهمة الحكومة هل ستكون فقط لتنظيم انتخابات لا أكثر حسب ما بدا واضحا من السياسيين أم ستكون مهمتها إصلاحية، وهذا الأمر يدفع إلى التساؤل عن المهلة الزمنية الكافية للقيام بإصلاحات واسعة ومعمقة؟

ومسألة الإصلاحات المطلوبة من صندوق النقد الدولي والبلدان المانحة تحتاج إلى إرادة سياسية تبدو غائبة من وجهة نظر متابعين لبنانيين لأن أهم خطوة ضرورية وتعد مطلبا دوليا يتركز حول مكافحة الفساد الذي طالب به الشارع اللبناني في تحركاته المختلفة منذ السابع عشر من تشرين الأول عام 2019 مرورا بأزمات المحروقات والدواء والغذاء والكهرباء والدعم ووصولا إلى معرفة المسؤول عن الانفجار الدامي لمرفأ بيروت.