Site icon IMLebanon

فصول تحلّل الدولة تُستكمل في خلدة

لم يستغرب احد مظاهر الفلتان الامني التي شهدتها امس منطقة خلدة. فتحلل الدولة بكل مؤسساتها ووهرتها، بات مسلّما به وحقيقةً لا يختلف عليها اثنان. بحسب ما تقول مصادر سياسية معارضة لـ”المركزية”، فإن حوادث خلدة ليست الا عارضا قديما- جديدا من عوارض سقوط هيكل لبنان – الدولة والتي تتجلى في الاقتصاد والمال والسياسة والسيادة والامن.

فتفشي السلاح في يد جهات حزبية وعشائرية من جهة، معطوف الى تقصير فاضح وفادح للاجهزة القضائية والامنية غير الراغبة بالتحرك او غير القادرة على التحرك بعد ان رُسمت امامها خطوط حمر تقف عند حدود الدويلة، من جهة ثانية.. هذه المعادلة القاتلة، هذه هي نتائجُها: اشتباكات مسلحة وعمليات ثأرية وسقوط قتلى وجرحى في وضح النهار، فيما تحوّل الطبقة الحاكمة الجيشَ اللبناني الى اطفائي بين الجانبين.

مساء السبت، وخلال حفل زفاف في الجيّة، دخل احمد غصن الى المكان، مطلقا نيرانه على علي شبلي، الذي اتهم بقتل شقيقه الشاب حسن غصن (14 عاما) العام الماضي، وهما من عشائر عرب خلدة، وقد أحجمت الدولة آنذاك عن التحرك ولم تحقق مع شبلي او توقفه وحُلّت القضية باللفلفة و”تبويس اللحى”، ما اضطر غصن الى الانتقام لأخيه بنفسه.

لماذا لم يقم القضاء بواجبه كما يجب السنة الماضية؟ ربما لأن شبلي قيادي في حزب الله ومسؤول فيه. على الارجح هذا هو السبب، تقول المصادر. لكن هذه الحسابات التي تقوّض الدولة، لا تسري على العشائر. من هنا، كان الاخذ بالثأر… والمسرحيةُ هذه، التي تؤكد ان لبنان تحوّل فعلا مزرعة تسودها شريعة الغاب، القانونُ والدساتير والمؤسسات، الحلقةُ الاضعف فيها، لم تنته فصولها السبت.

فخلال تشييع شبلي الاحد، تجددت الاشتباكات عنيفة بين عرب العشائر و مناصري حزب الله. الاخير، تنصل من المسؤولية وقال انه طلب تشييعا عائليا لا حزبيا لشبلي محملا المسؤولية الى النافخين في ابواق الفتنة. اما العشائر، فأوضحت انها كانت تحذر منذ عام من ان هذا السيناريو آت اذا لم يتم توقيف قتلة غصن، الا ان احدا لم يتجاوب…

الكل يُلام في جريمة التنكيل ليس فقط بأمن لبنان بل بأعصاب ابنائه وآمالهم بالخلاص من الجحيم الذي يمرون فيه، وفي جريمة حرق ما تبقى من معالم الدولة في لبنان.

فحزب الله يحمل السلاح غير الشرعي والصواريخ والمضادات والمسيرات، كما انه يحمي مطلوبين وفارين من العدالة. هو اليوم طالب الاجهزة بتوقيف الضالعين في اشتباكات خلدة، لكنه بالامس حمى قتلة الرئيس رفيق الحريري ومن حاولوا اغتيال بطرس حرب ومَن اسقطوا مروحية الضابط سامر حنا في الجنوب…

اما العشائر، فبدورها لا تحترم اي ناموس وتطبق نظرياتها التي لا علاقة لها بالعصر وبالدولة لو مهما كان الثمن، بواسطة سلاح غير شرعي ايضا، في حوزتها.

غير ان المسؤول الأول الاكبر عن هذه “الفضيحة”، هي المنظومة المتحكمة بالبلاد اليوم، التي تنازلت او قايضت هيبتها وسلطتها والشرعية، ببعض الكراسي من هنا والمناصب من هناك، على قاعدة “من بعدي، فليكن الطوفان”.. وها هو الطوفان في أفظع حلله يُغرق لبنان اليوم…